كلنا نريد أن تتحقق رؤية ووعود الحكومة التي جاءت مرارا على لسان دولة بشر الخصاونة بأن الأيام الأجمل في أردننا العزيز قادمة، ونعلم كمتابعين للشأن العام على ماذا يراهن الرئيس من ملفات يجب أن تنجز لكي ينتعش الوضع الاقتصادي في المملكة.
ملفات ومشاريع:
رئيس الوزراء تأتي في مقدمة رهاناته تحقق مخرجات ثلاثية جلالة الملك (التحديثات السياسية والاقتصادية والإدارية)، إضافة لما يعده به بعض الوزراء من ملفات ساخنة وواعدة؛ كحلول الشح المائي بالتحلية والناقل الوطني، وإتفاقيات التعدين، وإتفاقيات إقتصادية إقليمية (مع العراق مثلا)، إضافة لمتابعة مؤشرات تحسن أو ثبات الأداء المالي (مالي/إيرادات ونفقات، نقدي/إحتياطي وتدفق عملة صعبة، تصنيف إئتماني)، فضلا عن الطفرة التي يشهدها القطاع السياحي (والناتجة غالبا عن الطيران منخفض الكلف)... إلخ.
تحديات:
بالمقابل فلا يأتي الطموح ضمن التوقعات دائما، والمؤشرات الحقيقية لتحسن ملموس على أرض الواقع لا يلمسها المواطن البسيط؛ كإنخفاض نسب البطالة وإنتعاش حركة الأسواق والمقاولات والأعمال... إلخ.
أمور مطمئنة:
لا ننكر بأن إستمرار الخدمات بأشكالها والنشاط اليومي وعمل المؤسسات المختلفة، وبقية القطاعات (صناعة، سياحة، زراعة، أعمال، تجارة، نقل... إلخ)، وضمن منظومة الأمن والأمان هو إنجاز لدولة في محيط ملتهب، وخاصة بعد الخروج من تبعات الأزمة الاقتصادية العالمية والربيع العربي والإرهاب ووباء كورونا.
الواقع:
ولا ننكر أيضا ضغوطات وتراكمات ملفات المديونية وفوائدها، وتعثر التبادل التجاري البري عبر حدودنا لظروف الإقليم السياسية، مع التغير المناخي؛ شح مائي وتصحر يؤثران على الانتاج الغذائي والتنمية بأشكالها، إضافة لنمو سكاني غير طبيعي ناتج عن موجات اللجوء عبر العقود الأخيرة.
أمور مقلقة:
إلا أن ما يؤرق الجميع هو قضايا الفقر والبطالة، إضافة لملفات الشح المائي وتسارع إرتفاع أسعار الطاقة، وكساد الأسواق والتعثر الذي تشهده بعض مكونات قطاعاتنا الحيوية في مختلف محافظاتنا (صناعة، سياحة، زراعة، أعمال، تجارة، نقل... إلخ) فتفلس أو تغلق أو تهاجر.
الخطورة:
أمام ذلك، فالعشرة سنوات القادمة حاسمة جدا في عمر الدولة الأردنية؛ سيزداد فيها عدد السكان وبالمقابل ستتفاقم ملفات الطلب المائي والطلب على الطاقة والحاجة لفرص العمل والخدمات والشبكات والبنى الفوقية والتحتية، وكل هذه الملفات حاليا ومع عدد السكان القائم حرجة أو حساسة.
مليارات مطلوبة:
فوق ذلك ومع ظروف الدولة الصعبة هذه، فلا بد من الإشارة إلى حاجتنا الملحة فوق مجموع الميزانيات السنوية للعقد الزمني القادم، إلى ما لا يقل عن نحو 30 مليار دينار على الأقل لتحديث بنى تحتية وشبكات وخدمات قائمة، وإنشاء مثلها للتمكن من إستيعاب ضعف عدد السكان الحالي مع واقع النمو السكاني السريع.
الأيام الأجمل:
الرئيس يسابق الزمن، فرياح التغيير قد تعصف بحكومته (أو تعديل شكلي لإطالة عمرها وقد لا يفيد)، بينما مخرجات ثلاثية الملك ومخرجات وعود الوزراء سالفة الذكر لا تأتي، وقد يغادر موقعه وما زالت الأيام الأجمل التي يعد بها لم تأت.
خطورة ما بعد بشر:
إلى مدة العام والنصف القادمة، وسواءا مع بقاء حكومة بشر الخصاونة بعد التعديل، أو مع حكومة أخرى، فهنالك إستحقاق دستوري قادم بإنتهاء عمر البرلمان، وبدء برلمان جديد مع حكومة جديدة؛ وقد تكون بتوليفة حزبية غالبا.
هنا وجب القول وبإستشراف المستقبل القريب بأن سلاح ذو حدين يلوح في الأفق بعد العام والنصف القادمة، يكمن في أن الإستحقاق القادم سيفرز حضور الأحزاب في البرلمان القادم، وقد تتشكل حكومة برلمانية ناتجة عن أغلبية برلمانية، وأن غالبية أحزابنا لم تنضج بعد بالخبرات والعمل الحزبي داخل الحزب ومع المحيط، وبينما سيعد وصول الأحزاب للبرلمان نجاحا للمكون السياسي لثلاثية الملك، سيبقى التساؤل الخطير حول حساسية ظروف الدولة آنفة الذكر التي لم تعد تحتمل التجارب ومحاولة التموضع؛ من تحول إقتصادي إلى خطط تحفيز وعشريات إنعاش إقتصادي إلى مشروع نهضة ودولة إنتاج، إن كانت حكومة حزبية ستوفق بالتعامل معها.
الثقب الأسود:
إذن فكل المؤشرات تحكي للأسف عن بقاء الأوضاع على ما هي عليه خلال المدة المذكورة (العام والنصف)، وغالبا لن تأتي أيام أجمل أو حتى بوادر ذلك، لأن الظروف صعبة من ناحية، ولأن هنالك جمود "غامض" وغير معلن الأسباب داخل الحكومة يمنع إتخاذ قرارات من شأنها إنعاش الوضع، والأكثر خطورة هو بأن أحزابا غير ناضجة سياسيا ستكمل المسيرة، كطبيب حديث التخرج عليه إجراء عملية قلب مفتوح في غرفة عمليات غير مجهزة تماما.
أهمية الخطة B:
الخلاصة أن لا أيام جميلة قادمة بالأفق، وعليه فأننا بأمس الحاجة إلى خطة بديلة لإسناد وإنعاش الوضع سياسيا وإقتصاديا وإجتماعيا إن صدق التنبؤ، لأنه وببساطة نتحدث عن مستقبل دولة، ولا يجوز أن نبني كل سيناريوهاتنا ورؤيتنا للمستقبل وفقا لنماذج قد لا تنجح، وحينها لا قدر الله تعالى سنتحدث عن الإفلاس والعطش وتراكم ملفات ثقال من فقر وبطالة وتعطل مؤسسات وخدمات وغيرها مما لا يحمد عقباه.
ملامح الخطة:
الخطة البديلة أو الخطة B ليست صعبة، وعنوانها الرئيسي "إقتصاد ذكي وفيزيائي على أرض الواقع" يجذب رؤوس الأموال (من مصادر داخلية وخارجية) ... وهذا ما نحتاجه في حالتنا، ويجب أن تكون موجودة وجاهزة عند الطلب، على أن تشمل حزمة قرارات (متعددة المدخلات والمخرجات) شريطة أن تكون متوافقة وعملية وواقعية معايرة ومتزنة، مدعمة بكل تفاصيلها بإرادة سياسية مدمجة مع قوة في إتخاذ القرار والتنفيذ والمتابعة، مع عدم التخوف من قوى النفوذ والشد العكسي وأصحاب المصالح.
تحدثنا في مقالات سابقة عن بعض مكونات الخطة وشملت (آلية جذب رؤوس أموال من الداخل والخارج لتشغيلها، آلية ذكية لسداد المديونية الداخلية والخارجية، حلول مائية واقعية، آليات لتخفيف معدلات الفقر والبطالة مقابل إنعاش الأسواق وتدفق السيولة... إلخ).