في الزيارة البحرينية للعاصة موسكو، و اللقاء الذي جمع بين ملك البحرين حمد بن عيسى ال خليفة و الرئيس الروسي فلاديمير فلاديميروفيج بوتين بتاريخ 23 أيار 2024 ، اقترح الجانب البحريني الرسمي عقد مؤتمر دولي للسلام في البحرين بحضور روسيا و دعمها لأعمال المؤتمر لمعالجة مجموعة من القضايا الدولية العالقة وفي مقدمتها الحرب الأوكرانية و الحرب في غزة ،و أهمية الأنفتاح البحريني على ايران . و تأتي المبادرة البحرينية هذه في زمن شروع سويسرا لعقد مؤتمر مماثل منتصف شهر حزيران في مدينة لوسرن ولكن للتحاور حول قضية أوكرانيا فقط من دون دعوة روسيا ولا حتى الاستماع لها أونلاين .
وهكذا نلاحظ كيف أن البحرين غدت تشكل قبة الميزان في الصراع الدولي حول أسخن قضايا العالم في وقت هو فيه ثقل الخليج للمملكة العربية السعودية و للأمارات ، لكن البحرين تحدثت في موسكو نيابة عن كل العرب ، و ثمة دولا عربية وازنة سياسيا مثل مصر و الأردن . و يبدو لي بأن البحرين لم تجري استشارات عربية ضيقة أو موسعة قبل فتح الحوار مع موسكو بعد انقطاع عنها منذ عام 2016 ، أي منذ ثماني سنوات خلت . و البحرين مملكة عربية صغيرة ، و امكاناتها الاقتصادية محدودة ، و تعتمد في الغالب على انتاج الصخر النفطي بمخزون وصل الى 80 مليار برميل ،و احتياطي من الغاز وصل الى 20 تريليون قدم ، ونفط خام مستورد بنسبة 51 % ، و أسرع نمو اقتصادي عربي .وفي غياب الوحدة العربية التي نادى اليها ملك العرب و شريفهم الحسين بن علي عام 1916 من خلال ثورته العربية الهاشمية الكبرى ، يسود القرار العربي الأنفرادي و حتى بعيدا عن أوراق الجامعة العربية المؤسسة عام 1945 .
وفي المقابل فإن توجه ملك البحرين للقاء الرئيس بوتين ،و طلبه من روسيا اسناد مؤتمر بلاده الدولي للسلام ينسجم مع توجه روسيا صوب عالم متعدد الأقطاب ،وهو التوجه الذي لا يفرق بين دولة صغيرة و كبيرة و كبرى و عظمى ، ويمسك بقلم السياسة و الاقتصاد و الدبلوماسية من الوسط . و لقد فقدت القضية الفلسطينية بريقها تحت مظلة احادية القطب لزمن طويل بين عامي 1948 و 2022 ، وانتشر بريقها ووهجها بعد السابع من أكتوبر 2023 ،ووقفت الى جانبها دول شرق و جنوب العالم ، وفي مقدمتها روسيا الاتحادية و الصين الشعبية و كوريا الشمالية و أفريقيا ، وحديثا عدد من دول أخرى في العالم مثل ( ايرلندا و اسبانيا و النرويج الى جانب سلوفينيا و مالطا ) اعترفوا بالدولة الفلسطينية ولم يلتفتوا لغضب الاحتلال الإسرائيلي المخادع مرتكب حرب الإبادة في غزة وبرقم تجاوز 36 الف شهيد جلهم من الأطفال و النساء و الشيوخ .
و الموقف الروسي من القضية الفلسطينية ومن حرب غزة واضح ، فهو عبر الخارجية الروسية لم يتفهم السابع من أكتوبر و تداعياته على الجانبين الفلسطيني و الإسرائيلي ،وهو شجاع بإعترافه بالدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية و بحدود الرابع من حزيران لعام 1967 و بقرار الأمم المتحدة رقم 242 . و بادرت روسيا عبر مجلس الأمن بالمطالبة بوقف الحرب في غزة فورا ، و هو الأمر الذي قابلته الولايات المتحدة الأمريكية بفيتو متكرر متسببة في رفع رقم شهداء فلسطين الى الضعف ،و بصورة مرعبة غير مقبولة . وقدمت روسيا و معها جمهورية الشيشان و بمبادرة من الرئيس بوتين ومن الرئيس رمضان أحمد قديروف مساعدات إنسانية هامة للفلسطينيين الأشقاء المنكوبين في قطاع غزة و رفح و الضفة الغربية .
وعلى صعيد الحرب الأوكرانية ، فإن روسيا – بوتين أعلنت عن جاهزيتها وقف القتال في أوكرانيا ، وهي المنتصرة ، شريطة قبول " كييف " بخطوط الحرب الأخيرة التي وصلت اليها الحرب ، بمعنى بعد تحرير ( لوغانسك و دونيتسك – الدونباس ، و زاباروجا و خيرسون ، و المناطق الجديدة في خاركوف التي حصلت عليها لحماية مدنها الحدودية وفي مقدمتها مدينة ( بيلغاراد ) التي تعرضت سابقا لقصف أوكراني متكرر .ولقد ارتكزت روسيا في حربها الأوكرانية على ثوابت قانونية أولها الأحقية التاريخية ، و ثانيها مادة ميثاق الأمم المتحدة رقم 751 التي خولتها الدفاع عن سيادتها بعد تعرضها لهجمات أوكرانية و لمؤامرة غربية أمريكية ، و ثالثها اتفاقية تفكيك الاتحاد السوفيتي لعام 2022 التي طالبت الدول المستقلة بالحياد وبعدم الدخول في تحالفات معادية ، الى جانب وثيقة عام 2022 ، و حوارات تركيا ، و شرعية روسيا في إقليم القرم .
و العلاقات العربية – الروسية دافئة ،و اقتصاديا متطورة ، وهي متميزة مع المملكة العربية السعودية و الأمارات ،و قوية مع مصر و الجزائر ، و متماسكة و متوازنة مع الأردن . ولا تأثير ملاحظ لأحادية القطب على علاقة العرب مع روسيا رغم العلاقة القوية بين حلف " الناتو " و العرب . و تلعب روسيا دورا هاما و محوريا في قلب معادلة العالم بإتجاه تعددية الأقطاب ، و التحول التاريخي الجاري الان محتاج لجهد متواصل و لزمن كافي لكي يتحول الى واقع لا رجعة عنه . و سلبيات احادية القطب الكثيرة ، و اختلاق الأزمات و الحروب تسرع من عملية رحيله ،وما يساعده في البقاء المؤقت سيطرته على اقتصادات العالم ، و لتغول الدولار عالميا رغم أنه يطبع و لا يعتمد على مصادر طبيعية كافية .
وهاهو الغرب الأمريكي وبحجة دور روسيا غير المفهوم في الحرب الأوكرانية يماحك روسيا و يحاصرها اقتصاديا و عسكريا ،و يخطط لديمومة الحرب الباردة و سباق التسلح ،ويوقف نظام "سويفت " المصرفي الخادم للمعاملات المالية بين روسيا و العالم ،و يستثني روسيا من المؤتمرات العالمية . و يصعد من السماح لكييف من استخدام الأسلحة الأمريكية و الفرنسية ، و التدريب العسكري الفرنسي للجيش الأوكرني ، و تخوف من خروج الحرب عن عقالها و توجهها لصدام مباشر بين روسيا و الناتو ، و هو الذي تعمل روسيا على عدم وقوعه الا إذا فرضت الحرب المباشرة عليها ، وعندها لن تكون الا نووية مرعبة . و بالمناسبة روسيا مصنفة عالميا بتفوقها النووي و الفرط صوتي و العسكري الفضائي و لا خوف عليها .
لن ينجح مؤتمر لاسرن في سويسرا القادم في حزيران بسبب ابعاده روسيا و استهدافها و تعمد نشر فوبيا دولية حولها ، و لعدم مقدرته على وقف الحرب الأوكرانية بشروط الجانب الأوكراني الخاسر لها ، و لأن ميدان الحوار يراد له أن يكون مغلقا بين أوكرانيا و الغرب الأمريكي من جهة وبين روسيا الاتحادية الطرف الأساسي في الحرب و في السلام من جهة أخرى . وسوف يحدث مؤتمر البحرين الدولي القادم في المقابل صدى دوليا قويا يدفع بأوكرانيا – ( كييف ) و بالغرب كله للإستماع لروسيا التي تعتبر نفسها مستهدفة و غير محتلة لأوكرانيا و لها شروطها لإيقاف الحرب التي الحقت الضرر بالقدرات العسكرية الأوكرانية خاصة و الروسية في المقابل ، و تماما كما صرح الرئيس البيلاروسي الكسندر لوكاشينكا بنسبة 1-8 لصالح روسيا . وفي موضوع حرب غزة ستبقى إسرائيل تمارس الصلف و التعنت بوجه المجتمع الدولي رغم المؤتمرات الدولية التي ستنعقد في سويسرا و في البحرين ، وهدف إسرائيل النازي القضاء على حماس و قادتها أو ابعادهم ، و ممارسة التشريد القسري للفلسطينيين كلما سنحت الفرصة التاريخية ، و لن تتمكن جهة من لجم إسرائيل غير إعلان و حدة العرب وتوجيه تحذير شديد اللهجة لها واجبارها على وقف الحرب في غزة و على رفح و الضفة الغربية ، و العودة لطاولة السلام و حل الدولتين المشروع وغير السرابي .