هل اصبح لدينا «تقييم» موضوعي لتجربة الانتخابات الطلابية في جامعاتنا الرسمية؟
حتى الآن، حسب معلوماتي لم يحصل ذلك، لكنه بالتأكيد سيحصل، البعض يعتقد أن ما حدث كان بمثابة «بروفة» للانتخابات البرلمانية القادمة، آخرون يقللون من صوابية هذا الافتراض؛ بيئة الجامعات وظروفها، وكذلك انتخاباتها تختلف عن بيئة المجتمع وحركة الانتخابات فيه، الأهم من ذلك أن نفتح أعيننا وعقولنا على هذه التجربة، لأنها تمثل -بتقديري- حالة جديرة بالدراسة؛ الجامعات هي المختبر الذي تتم فيه (أو هكذا يُفترض) عمليات الطبخ السياسي والثقافي والاجتماعي، والانتخابات فيها فرصة لفهم حركة المجتمع والدولة، والفاعلين في المشهد العام.
إذا توافقنا على أن طلبة الجامعات اجتازوا التجربة بتقدير ناجح نسبيا، وأن الصناديق الانتخابية عكست صدى أغلبية الأصوات التي تتردد في جامعاتنا على الأقل، لكي لا أقول في المجتمع، وأن ما جرى يصب في رصيد الانتقال الديمقراطي المتدرج الذي تحاول الدولة التأسيس له عبر مشروع التحديث السياسي، فإن الخروج عن معادلة القبول بأصول اللعبة الديمقراطية ومخرجاتها، في هذه المرحلة، وتحت أي ذريعة، يبعث برسالة مفهومة عنوانها (إما نحن وإما هدم التجربة أو تشويهها)، هذه الرسالة التي لا تستند إلى فهم منطق التحالفات والتوافقات محكوم عليها بالفشل، لأنها لا تقيم وزنا لاعتبارات حالة المجتمع وخصوصياته وضرورات البناء ضمن الممكن، بقدر ما تدفع محركات الهدم التي تتحرك في سياق الرغبات وصناعة صورة الضحية للاستثمار فيها، وهذه، للأسف، مهمة تتقنها بعض الأطراف في بلدنا.
بصراحة أكثر، ولّدت العصبيات الأيديولوجية التي حاول البعض أن يستخدمها تحت إيقاع الحرب على غزة، أو في سياق توظيف المشاعر الدينية والاجتماعية، ردود فعل عصبيات أخرى على إيقاعات متنوعة، انتهت إلى فرز النتائج التي شهدناها في اغلبية الجامعات، صحيح حدثت بعض الأخطاء المتوقعة، خاصة من قبل بعض الأحزاب التي ركبت الموجة الطلابية، لكن النتيجة في المجمل جاءت باتجاه كنت قد أشرت إليه في مقالات سابقة، أقصد تبلور تيارات اردنية وطنية شابة، عابرة للمحاصصات السياسية، توزعت جغرافيا وديموغرافيا، وتلاقت حول الهوية الأردنية بمعناها الواسع الذي يتجاوز التصنيف، والتوظيف أيضا.
إذا كان هذا الاستنتاج صحيحا، وأعتقد أنه كذلك، وإذا كانت انتخابات الطلبة لا تحمل، فقط، البصمة السياسية، وإنما بصمات اجتماعية واقتصادية..الخ، فإن نتائج صناديقها، وما حدث بعد ذلك من حالة حرد أو انسحاب بعض الأطراف المشاركة، ثم محاولة مقاربتها كنسخة مطابقة للانتخابات البرلمانية من بوابة «تقدير موقف عام»، يشير بوضوح إلى أن الاستدارة للداخل الأردني أصبحت واقعا، بعد أن كانت مجرد مطلب، وأن مناخات الحرب التي أشغلتنا على مدى الشهور الماضية بدأت تتراجع، كما أن توظيفها وتأثيرها سياسيا من بعض الأطراف تراجع، أو أنه فقد الاستجابة.
نتائج صناديق طلبة الجامعات وتداعياتها، تشير، ايضا، إلى أن وعي الأردنيين على الدولة /دولتهم ومصالحها العليا، انتعش بصورة اكبر، وأن حالة الوطنية الأردنية انتقلت من الدائرة النظرية إلى العملية، والأهم أن جيلا من الشباب الأردني خرج من حالة التعطل عن المشاركة، ومن الاستغراق بالسواد العام، وبدأ يستعيد ثقته بمؤسساته، وينخرط في النشاطات العامة، هذه المؤشرات الأوليه مهمة، تؤكد أننا نسير في الاتجاه الصحيح، وأن المجال أمام من يحاولون إعادتنا للوراء أصبح أضيق مما يتصورون، لكن لابد من البناء على ذلك، وضمان استمراره، وهذا يحتاج إلى «شغل» وطني حقيقي من ادارات الدولة والمجتمع معاً.