عندما يطفح الكيل، وينفد الصبر برجل مثل الاستاذ عبد السلام الطراونة، المشهود له بسعة الصدر، والقدرة على التحمل، وشدة الحذر، والنظر إلى الجزء الممتلئ من الكأس، والقدرة في البحث عن الاعذار لمن يخطئ، والرجل الذي ما غادر مربع الولاء للأردن ولنظامه السياسي، والرجل الذي فهم سياسة الدولة الأردنية وانحاز الى مواقفها، ودافع عنها لعقود طويلة سواء في إذاعة المملكة الأردنية الهاشمية، او في مؤسسة الاذاعة والتلفزيون او من خلال ترؤسه لتحرير كبريات الصحف الأردنية كالرأي والدستور وصوت الشعب، او ككاتب للتعليق السياسي في الاذاعة الأردنية ايام مجدها، او كاتب للمقالات في الصحف اليومية او الأسبوعية وكلها دفاعا عن الأردن.
عندما ينفد صبر هذا الرجل فيدق ناقوس الخطر، في مقال طويل نشره مؤخرا، على موقع مدار الساعة الإخباري، ليعلن احتجاجه على ما وصلت اليه الأحوال سياسا واقتصاديا واجتماعيا، معلناً رفضه لسياسة هندسة الاحزاب، ورفضه لتسيد النفاق والمنافقين للمشهد، مؤكدا رفض الأردنيين للضبابية في التعامل معهم ورفضهم ما يلمسونه من تعدد المرجعيات، فان ذلك يحتم على الجميع، وقفة جادة لمراجعة حقيقية لما يجري في بلدنا وحوله.
اختار الاستاذ عبد السلام الطراونة الشهيد وصفي التل كمدخل للحديث عن ما يجري في الأردن وللأردن، فقد صار الشهيد وصفي رمزا يستحضره الأردنيون كلما اصابهم أمر خيرا كان او شرا ، وكان اخر ذلك عندما ضجت الملاعب ومواكب الفرح مطلع هذا الأسبوع بالهتاف للشهيد وصفي واستحضار روحه حتى من اجيال لم يكن آباؤهم قد ولدوا عندما استشهد وصفي. ومع ذلك فان هذه الاجيال تستحضر وصفي كلما افتقد الأردنيون زمن الولاية العامة لحكوماتهم، وكلما حن الأردنيون الى العلاقة الوطنية السليمة بين المعارضة والدولة والتي تحول المعارضة الى قوة بناء للدولة، في اطار التعددية الفكرية و الحزبية، بعيدا عن هندسة هذه التعددية، وبعيدا عن محاولات الاستيلاد القصري لبعض الأحزاب.
استحضر الاستاذ عبد السلام الطراونة وصفي التل، كما يفعل كل الأردنيين عندما يضجرون من الضبابية التي توقع حكوماتهم في تناقضات فاضحة، وتربك حياة الأردنيين وتضعف ثقتهم بمؤسسات دولتهم. خاصة في ظل ارتفاع صوت النفاق والمنافقين الذي صار الصوت المفضل عند جل المسؤولين في الحكومات الأردنية المتعاقبة، هذا الصوت المأجور يزين الخطأ ويجمل الخطيئة لذلك يطرب الغانية، فتتفاقم في البلاد آفة الفقر والبطالة، وهي كلها قنابل موقوتة دق الطراونة ناقوس الخطر محذرا منها قبل ان تنفجر في وجه من لا يسعى الى مواجهتها.