الهاشميون كعادتهم يتمسكون بارثهم ونهجهم التربوي الاميري والملكي، المتعلق بتحضير واعداد الامراء وولاة العهد المتميزون في فكرهم وصفاتهم، وذلك من خلال تنشئة تستند إلى توفير التعليم الحديث والتدريب العسكري والدبلوماسي والسياسي العريق، ومنذ فترات مبكرة وفي أعرق المعاهد والمؤسسات العالمية.
من هنا كانت نشأة صاحب السمو الملكي الامير الحسين ولي العهد، حيث صدرت الارادة الملكية السامية بتسميته وليا للعهد عام 2009م، حيث أنهى سموه تعليمه الثانوي في مدرسة "كينغز أكاديمي" في الأردن في عام 2012م، كما حصل على تعليمه الجامعي في التاريخ الدولي من جامعة جورج تاون في الولايات المتحدة الأمريكية عام 2016م، وليتخرج سموه لاحقاً عام 2017 من الأكاديمية العسكرية الملكية ساندهيرست، وعلى الصعيد الوطني اطلق سموه ضمن رؤيته التنموية العديد من المبادرات من خلال مؤسسة ولي العهد مثل مبادرة حقق ومبادرة مسار لدعم الشباب الأردني وغيرها من المبادرات الفعالة، ونظراً لدوره النموذجي في دعم الشباب ترأس سموه عام 2015م جلسة مجلس الأمن في الأمم المتحدة لمناقشة دور الشباب في بناء السلام وحل النزاعات ومكافحة الإرهاب، الى جانب حضوره وبالنيابة عن جلالة الملك للعديد من المؤتمرات الدولية لمناقشة العديد من القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ويواصل سموه على الصعيد الوطني طرح البرامج ومتابعتها من خلال جولاته ولقاءاته المتواصلة مع الشباب والمؤسسات وكافة شرائح الوطن، سعياً وحرصاً من سموه على التنمية المستدامة والتمكين الوطني الشامل.
فخلال مقابلة سمو ولي العهد الأمير الحسين قبل أيام قليلة مع قناة العربية، جاء جواب سموه متضمناً التركيز على حكمة والده جلالة الملك عبد الله الثاني في تجاوزه للتحديات التي مر بها الأردن خلال فترة حكمه التي نحتفل اليوم بمناسبة يوبيلها الفضي، وهو أمر يوضح أن سموه مُلماً ومتابع دقيق لكل التطورات والمعطيات التي اجتازها الملك عبد الله الثاني خلال مدة الـ(25) عاماً الماضية، حيث صرح الأمير أن شعب الأردن واعٍ ومؤسساتنا قوية وقيادتنا تفكر بنظرة بعيدة وفي ظل دولة مدنية متميزة لها قدرة واستقلالية في إتخاذ القرارات دون تأثير يفرض عليها، مضيفاً سموه أن جلالة الملك ومن قبله جده المغفور له الملك الحسين ساروا على نفس النهج المتوازن في بناء وترسيخ علاقات دولية أساسها الاحترام، من هنا كان صوت الأردن على الصعيد الدولي مسموعاً وله مكانته وتأثيره في السياسة الدولية، مهما كان هناك اختلاف في وجهات النظر، مؤكداً سموه أن جلالة الملك عبد الله الثاني يمتلك صفة نادرة فهو صادق سواء في الغرف والاجتماعات المغلقة أو في العلن أيضاً، له مبدأ راسخ لايغير موقفه.
والملك محبوب لأنه متواضع غير متكلف، لذا يحظى بثقة الجميع، عندما يعطي نصيحة لكل القادة وصناع القرار في العالم تكون حكيمة وثاقبة، فجلالته لايسمح للانفعال أو التوتر بالتأثير على قراراته، علماً بأن جميع قرارات جلالته ليست سهلة على الصعيدين السياسي والاستراتيجي، فمثلاً حرب العراق عام 2003م كان جلالته له موقف واضح وصريح معارضاً لها، وبنفس الوقت وازن جلالته بين العلاقات مع الولايات المتحدة الامريكية من جهة وبين مصالح الأردن المستقبلية وامنه من جهة اخرى وقد نجح جلالته في ذلك وبجدارة مشهود لها، ويعلق سموه على هذه الاستراتيجية الملكية الهاشمية بقوله :" كان قرار جلالته حكيماً، ومن يقول أن حياة القائد سهلة يكون غير واقعي"، وفي السياق المتتبع لمواقف جلالة الملك من القضايا المعاصرة في المنطقة يشير سموه إلى الصراع في غزة وأن القضية الفلسطينية هي قضيتنا بالرغم من الكلف المترتبة علينا، فالأردن يخوض معركة دبلوماسية وسياسية منذ بداية الصراع القائم اليوم في غزة، بما في ذلك الفاتورة الاقتصادية التي يدفعها بلدنا الأردن، ومع ذلك كله فإنه يستمر في مساندة الشعب الفلسطيني، وبالتوازي مع هذا الدعم فالأردن يحث أيضاً الحكومة الاسرائيلية الحالية على ان تقوم بوقف الحرب حتى لا تنفجر الاوضاع جراء تصاعد الحرب وبشكل قد يقود المنطقة لحرب اقليمية واسعة، من هنا يستمر الملك وبكل حكمة في دعوة العالم أجمع بأن يسعى لوقف الحرب فضحاياها الابرز هم المدنيين بمن فيهم الأطفال والنساء، مصرحاً سموه وبشكل واضح على أن السلام الحقيقي هو القائم بين الشعوب وبشكل يلبي بالضرورة حقوق الشعب الفلسطيني وبما يضمن الوصول عمليا لحالة السلام وقيام علاقات طبيعية بين الشعوب .
يركز سموه حديثه عن طبيعة التحديات المعقدة التي واجهت حكم جلالة الملك في الفترة الاخيرة وتحديداً خلال اليوبيل الفضي لتولي جلالته سلطاته الدستورية، بما في ذلك خطر تهريب المخدرات والاسلحة على الحدود الأردنية السورية، مبيناً سموه أن الأردن وأمنه مستهدف، خاصة ان ذلك ينعكس في الكمية الكبيرة للمخدرات والأسلحة والمتفجرات التي يتم ضبطها على الحدود من قبل الجيش والاجهزة الامنية، ويبدو جلياً أن هذه العمليات منظمة وتستهدف الامن الوطني للملكة، علما بأن الموقف الأردني تجاه هذا الخطر الاستراتيجي راسخاً وهو رفضها قطعيا والتصدي لها بكل عزيمة، وفي اطار العلاقات الدولية في الإقليم تطرق سموه إلى العلاقة الأردنية مع ايران وبعض الدول العربية، ليبدأ سموه تعليقه عليها بالترحم على الرئيس الايراني الذي وافته المنية مؤخراً، وتقديم العزاء والمواساة للشعب والحكومة الايرانية، آملاً سموه بتحقيق الطموح والرؤية الأردنية والعربية المتطلعة نحو ايجاد مناخ هادىء في الاقليم بعيداً عن أي توترات ، فالجميع يرغب بعلاقات حسنة مع ايران يتم خلالها معالجة كل اسباب التوتر، مع اشارة سموه لنهج الدبلوماسية الأردنية السلمي القائم على وجود حوار أردني ايراني حول كل القضايا متمنياً سموه أن تثمر بشكل ايجابي، وبصورة تضمن استقرار الأردن وعدم تحوله لاسمح الله الى ساحة حرب اقليمية، خاصة في ظل وجود توترات مطردة في المنطقة المحيطة بنا.
وشغلت القضايا الانسانية محوراً من لقاء سموه بما فيها اللجوء السوري نحو الأردن، معتبراً أن حل مشكلة اللاجئين هو عودتهم الطوعية الى وطنهم الام سوريا، مركزاً سموه على علاقات الأردن الايجابية مع اخواننا في المنطقة ضمن قاعدة التقارب وتعزيز فكرة التعاون والتكامل العربي وبشكل عملي معني بالشراكة الاقتصادية والسياسية، فالتعاون يعني فتح أسواق أكبر وتبادل للقدرات والمهارات والعقول بما يضمن فرصاً أوسع للشباب وبشكل يتحقق معه مستقبلاً أفضل، وفي اطار العلاقة الأردنية السعودية ولمركزيتها أكد سموه انها علاقة تاريخية ترسخ لتعاون سياسي واقتصادي واجتماعي وامني واحد، مؤكداً أن الشعب السعودي شعب أصيل وصاحب نخوة.
وفيما يخص مفهوم المعارضة الوطنية الداخلية، وجه سموه رسالة جوهرية تتضمن ضرورة أن تكون المعارضة وطنية في توجهاتها واهدافها حتى وان انتقدت سياسة الحكومة، وفي السياق نفسه مجيباً سموه عن اثر بعض الحوادث في فرز هويات فرعية مناطقية، بقوله أن ميزة المجتمع الأردني هو التنوع الذي ساعد على الخروج من أزمات كثيرة، الامر الذي يستعدي ضرورة التماسك والتكاتف الوطني والاستفادة من الهويات الفرعية التي تعتبر مصدر ثراء وقوة وطنية، مع التأكيد على أن المظلة الجامعة والرئيسية لها هي أولاً وأخيراً الهوية الوطنية الأردنية، التي تتمتع بالروح الايجابية التي لا تكون اسيرة ازمات سابقة حدثت في الماضي، فنحن جميعاً كدولة أردنية نجحنا في تجاوز التحديات وتخطينا المراحل الصعبة منذ زمن، فنحن دولة قانون ننظر لمستقبلنا ونركز على بناء وطننا بشكل قوي متماسك قادر على تجاوز اي تحديات قادمة أو طارئة.
ان رؤية ولي العهد تكمن في فهمه الدقيق والشامل لفترة اليوبيل الفضي من حكم والده جلالة الملك عبد الله الثاني رعاه الله، وتطلع سموه للمستقبل القادم خلال الخمسة وعشرين سنة القادمة بأن يكون فيها الأردن قوياً على كافة الاصعدة معتمداً على نفسه ومكتفياً ذاتياً، وقد حظي المواطن الأردني في كافة انحاء الوطن بتعليم وصناعة وصحة وسياحة واستثمار واسواق جديدة، وفي الوقت نفسه أن تكون استراتيجيتنا قائمة على التخطيط السليم الذي يضع في اعتباره أمكانية حدوث اي مستجدات واحداث جديدة، نكون مستعدين لها ولأي سيناريو مفاجىء وقادرين على مواجهتها وتجاوزها بكل ثبات.
وكلنا أمنيات بأن يكون مستقبلنا حافل بالعطاء والانجازات، وحفظ الله ملكنا وولي عهدنا وشعبنا الأردني الاصيل وجيشنا وأجهزتنا الامنية.