شاركت في مؤتمر الإعلام والإتصال الحكومي الرقمي, والذي عقدته وزارة الإعلام قبل فترة.. قلت شاركت, ومشاركتي تعني أني: شربت القهوة وجلست مطولا مع الدكتور مصطفى الحمارنة, ودعاني فارس بريزات لزيارة البترا.. وصافحت الكثير من الشباب والبنات .
ما هي انطباعاتي عن المؤتمر؟.. بصراحة هنالك جيل جديد في الإعلام, وأنا من الجيل القديم الذي لا بد أن يغادر بصمت وهدوء دون صخب... الجيل الجديد يبدو أنه لا يعرف زمن الرسائل... زمن شراء مغلف الرسالة بقرشين, ومن ثم الإختلاء في زاوية من المنزل واستعمال قلم الحبر السائل, وكتابتها بقلبك لا بيدك.. ثم الذهاب للبريد, وشراء الطابع الدولي ولصقه وبعد ذلك إرسالها.. هذا الجيل لا يعرف كيف يداعب اللسان.. أطراف المغلف, لا يعرف كيف كنا نكتب العنوان باحتراف على وجه المغلف, كيف كنا نقوم بوضع القليل من الكالونيا على الورق.. كي تكون الرسالة معطرة.
كنت أراسل وقتها, إذاعة البي بي سي.. أراسل برنامج همزة وصل وبرنامج السياسة بين السائل والمجيب لمحمود المسلمي, وذات يوم اهتديت لعنوان بنت من مصر تعشق المراسلة.. وتراسلنا, أنا كذبت عليها وقلت لها في الرسالة أن عمري تجاوز (ال 25) بقليل.. وأني انهيت الجامعة تخصص (فلسفة) وأريد انهاء خدمة العلم, وهي أخبرتني أن عمرها (24)... وتعمل في مكتب عقاري بالقاهرة.. كان عمري وقتها (14) عاما فقط.
كتبت لها عن حياتي, أخبرتها أني احب السفر.. وأخطط لزيارة اليونان قريبا حالما أنهي الخدمة العسكرية, علما بأني وقتها لم أكن أجرؤ في الليل على الذهاب للحمام وحدي خوفا من العتمة... لمحت لها بحبي وكيف أني انتظر رسائلها بشوق, وأرسلت لي صورتها.. وأنا خفت أن أرسل صورتي تحوطا حتى لا يكتشف (المقلب) فقمت على الفور بإرسال صورة.. الفنان (فارس عوض) كان وقتها.. في أوجه واشتهرت له أغنية (يا بو خديد منقرش)..
كنت أنزوي وأجلس على طرف طاولة, وأخط لها الكلام.. بهدوء, بالرغم من صغر سني وقتها إلا أن خطي كان جميلا.. وياما سرقت من نزار بعض الجمل ومن كلمات الأغاني الشعبية.. وبحت لها بالحب وأكدت أن المسافات لن تفرق بين قلبي وقلبها.. وقد صعقت بعد اسبوعين حين أرسلت لي برسالة تحتوي على خصلة من شعرها... لا أعرف وقتها هل تورطت في الحب مبكرا أم أني تورطت في النصب؟
على كل حال هذا الجيل لا يعرف ماذا يعني أن تفتح رسالة، وتجد خصلة من شعر الحبيبة فيها.. لا يعرف ماذا يعني أن توفر ثمن طابع البريد, لا يعرف كيف تكتب السطر على استقامة الصفحة.. وكيف تنثر معه دمعك.
كنت أتمنى من القائمين على المؤتمر لو أنهم.. وضعوا في البرنامج جلسة لمناقشة الغرام, أصلا الأوطان بدون حب لا تستمر.. والقلب بدون العشق لا ينبض.. كيف قدموا كل العناوين ونسوا أهم عنوان في العمر وهو الحب.
وها أنا أحاول أن أستعيد الزمن الذي كنت أكتب فيه رسائل الشوق بدمي ودمعي.., لكن يبدو أن الجيل الحالي قد أضاع الرسالة... أضاعها حتما.