إذا لم نتعلم دروسًا مما حولنا ومن حولنا؟ فمتى نتعلم، وممّن!
يحق لوطننا في كلّ عيد استقلال أنْ نسانده، ونقوّي من عزيمته، وعزيمة المخلصين من إخواننا الساهرين على راحتنا في كلّ مرافقه، وألا نجحد ما صنعوه، مهما اتّفقنا على أهميته أو ضرورته أو أولويته أو اختلفنا. ولماذا نختلف؟!
الوطن هو الدائرة التي تلفّنا، وتحضننا؛ بسوار حنان قلّما تجد لها بديلا، مهما استبدلته بالكون كاملا! ومهما ظننت بالغير خيرًا، فخير أهلك لا يفوقه خير. وأهلك هم من يرعون مصالحك، ويهتمون لهمك، ويتقدمونك إن كان في تقدمهم إياك خيرًا، ويتأخرون خلفك إن كان في تأخرهم لك خيرًا.. فكلما دعت الحاجة إلى ما هو متوقّع منهم: وجدتهم هناك.. في حين غيرهم: لا يهمّهم ما قد همّك. وليس من أولوياتهم ما يرعى مصالحك، فلا تحكم على الظاهر. وانظر بعين ثاقبة على كل ما لا تراه عينك السّطحية: اقرأ ما بين السّطور أتتنفس هواء في وطنك كأي هواء؟ أتعلم أنه هو الهواء ذاته الذي جاءك من هناك؟ ولكن شتّان ما بين تنفسّك إيّاه هناك، وتنفسّك إيّاه أمام حاكورة منزلك. وبوابة دارك. وشارعك المطل على سهل ممتد بين حارتك، والهضبة المحاذية لحارة جيرانك!
فيا لها من أيام..
تلك التي تعيشها، وأنت عابر سبيل في مكان لا ينتمي إليك. وشارع لا تعرف اسمه، ولا لقبه، وأناس من كلّ مكان، لا تعرف لهم دليلا. وأنت بين كلّ ذاك وذاك تشتاق لكأس من الماء البارد من مياه بئر منزلك المملوء بمياه المطر البارد، ودون برّاد! وأيّ طعم يساوي طعم تلك الكأس. لا بل تشتاق إلى ضبط ساعتك العصريّة على مشورة جارك الثّمانينيّ إلى سوق الحارة الأصغر من أن نسميّه (مول) نسبة إلى أصغر سوق قد تراه في المكان الذي وصلته! ولكن هيهات.. هيهات أنْ ترى بقلبك، وتحسّ به؛ لأنّ قلبك لا عَينك مَنْ يَرى ويُحِسّ!
لا، لن تصدمني شعارات الوظائف والأرقام الخيالية المبثوثة من أي مكان في (بوستات) لا تنتمي إلا إلى (عصابات الكلمة)، فأنا أعي بأن "ليس كل ما أسمعه صدقًا" كما لا يعنيني أن أجمع المال، وأنا بعيد عن حياتي؛ فأكون صيدًا سهلا لسماسرة (الوعود) وكتبة (الدراما) و(سيناريوهات) الأحلام.
إننا نعيش في زمن تحيط به شبكة الأخبار، كإحاطة الجسم بالسيالات العصبية، وعلى كل منتبه، إما أن يختار ما يستمع إليه ولا يدع نفسه (إمعة) لأي قناة أو منصة أو إذاعة، أو أن يترك الاستماع؛ لأنك لن تجد ما يساوي ما أنت عليه، مهما بلغ بك الخيال مدى.
وعلينا في عيد استقلالنا أن نستعيد أمجادنا. ونجهّز لأخرى. وألا نتوقف عن الأحلام التي يمكن تحقيقها؛ فالأحلام لا قَيْدَ عليها، ولا يوجد قوّة على وجه الأرض تمنعك أنْ تحلم، فلا تسلّم نفسك إلى واقع تظنه مفروضًا عليك. فلا مَنْ فَرَضَ عليك شيئا. إنّما أنت مَنْ تفرض على نفسك. وقرارك بيدك. لا بيد أحد. ومهما أقنعت نفسك بأنّ أحدًا ما.. هو سبب ما أنت عليه، فهذا ليس عدلا. إنّما أنت هو مَنْ قرّر وعاش (الوهم) الذي قرّر أنّه من (الواقع).
وجميل أنْ تتحدّى نفسك، وتتفوّق على بضاعتك؛ فتتدرّب، وتتعلّم، وتُقوّي مهاراتك، وتضاعف معارفك.. فتَقْوى فرص حياتك، وتتحسّن رؤاها.
وأخيرًا..
كل عام وأردننا بخير. ومليكنا بخير. وأسرتنا الهاشمية وأهلنا وناسنا بألف خير.
ولأهلنا في فلسطين كل حب ودعوات بأن يديم الله علينا وعليهم حب الوطن وتقديس هوائه. فأوطاننا واحدة. وأخوّتنا العربية الإسلاميّة لن يزحزحها كائنا من كان مهما ثقلت موازينه.