أخبار الأردن اقتصاديات مغاربيات خليجيات دوليات جامعات وفيات برلمانيات رياضة وظائف للأردنيين أحزاب مقالات أسرار ومجالس مقالات مختارة تبليغات قضائية مناسبات مستثمرون جاهات واعراس الموقف شهادة مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

مات.. ولم يخلع الشماغ


عبدالهادي راجي المجالي
abdelhadi18@yahoo.com

مات.. ولم يخلع الشماغ

مدار الساعة (الرأي الأردنية) ـ
...غادر نذير رشيد الحياة محترما وقورا..وقد خاض غمار العمر جسورا وندا ووطنيا شرسا...
حين كنا نتحدث عنه، كانوا يقولون لنا: (بعدكوا عيال) لم تعاصروا زمنه، حين كان في المخابرات، يقاتل لتوسيع مظلتها وزيادة أفرادها، ولتوسيع نشاطها الخارجي....هذا صحيح لم نعاصر زمنه، لكننا نحن الجيل الذي جلسنا معه وباح لنا بكل شيء، في زمن نذير رشيد حين كان مديرا للمخابرات لم أكن قد ولدت بعد..لم يكن لدي (ملف)...لهذا كان يعاملنا كصفحة بيضاء، بالمقابل الذين اتهمونا بأننا لم نعاصر زمنه، كان يعرف كل شيء عنهم.
هو اخر من عاصروا زمن الحرب والسلاح، وهو اخر ما تبقى من الذين استهدفوا..وكانت المسدسات تترصدهم، هو اخر من كانوا يسيرون في سياراتهم والبندقية على الميمنة..ويبدلون الطرق، ويخضعون حتى (لمبات) الشارع للتدقيق..والأهم أنهم كانوا يدركون في لحظة من لحظات الصبر الوطني المؤلم..أنهم إن تراخوا قليلا أو أداروا الوجه قليلا حتما ستضيع البلد.
حين تكتب عن (ابو جعفر)، عليك أن تدرك أنه الرجل الذي يختزن معلومات في ذهنه بحجم ملعب كرة قدم، عليك أن تدرك أنه الوحيد الذي عاش العمر وظل مصرا على ارتداء الشماغ المهدب، لم يخلعه إلا في النوم..وظل وفيا لمسقط رأسه السلط، وللناس فيها....ظل وفيا أيضا للبلد والعرش والأيام.
أنا لا أكتب عن شخص نذير رشيد ولكني أكتب عن مؤسسات الدولة...كيف بنبت عن المخابرات – بالتحديد- والتي شغل منصب رئيسها، في فترة مصيرية من حياة الدولة والناس وحتى الإقليم....الأردن من حقه أن يفتخر بمؤسساته الأمنية والعسكرية، فهي لم تؤسس في المكاتب الفخمة..لم تؤسس على طريقة القرار المكتوب..هي أسست بالدم والشهداء، أسست بالإنتماء لها وصونها والحفاظ على أدوارها...للأسف البعض يتعامل مع الأمن في إطار القبضة الحديدية وفي إطار الصرامة، ولا يدرك أن القرار السياسي كان يصان وينفذ عبر هذه المؤسسات وأن العقول التي مرت عليها?كان أعلى وعيا ممن ألفوا كتبا ورموها على أدراج مكتبات الجامعات..كانت أعلى وعيا أيضا من الذين ظنوا أن وجبات التفكير الغربية قادرة في لحظة على تقديم وصفات علاج للدولة والإقتصاد...نذير رشيد لا يقرأ أبدا في إطار إدارة المخابرات فقط..بل يقرأ في إطار حماية القرار السياسي أيضا، وتنفيذه وسريانه..ويقرأ أيضا في إطار الوعي السياسي والإجتماعي لمؤسساتنا الأمنية...
قبل (3) سنوات دعاني لزيارته في منزله، وذهبت إليه على درب من الشوق والإحترام...سألني يومها عن تصريح جدلي نشره في (عمون)..وقلت له ممازحا: أنت يحق لك أن تقول ما تشاء..لأنك الأردني الذي عاش العمر كله وعاش المواقع وعبر من الحياة ولم يخلع الشماغ..
مدار الساعة (الرأي الأردنية) ـ