جُنَّ جنونهم ولم يستوعب تحالف الشرالصهيوأميركي/ الغربي, أو قل المُعسكر الغربي الذي قيل إنه بُنيَ على «الثقافتين» اليهودية والمسيحية (المُتصهينة بالطبع)ٍ", أن نظاماً دولياً جديداً آخذ بالتشكّل والبروز, وأن الإمبراطورية الأميركية قد دخلت مرحلة الأُفول, وإن كان أُفولاً كهذا لن يحدث بالسرعة التي تتمناها معظم شعوب المعمورة, بما فيها شعوب أوروبية.
لهذا تتواصل ردود الفعل الهيستيرية الغربية وخصوصاً الأميركية, التي بدت متطرفة جداً حدود التشنّج, على نحو يحار فيه المرء حقاً, ويتساءل.. ما إذا كانت إدارة بايدن تتصرّف بمكانة ومسؤولية دولة عظمى؟, أم إنحدرت الى مصاف الدول المارقة وتلك التي أدارت ظهرها لكل الأعراف والنواميس الأخلاقية والإنسانية والقانونية, التي تواضعتْ عليها أسرة الشعوب في الماضي وخصوصاً في عالم اليوم؟.
أن يقول الرئيس الأميركي جوزيف بايدن أنه يرفض طلبَ المحكمة الجنائية الدولية بإصدار مذكرة اعتقال بحق نتنياهو ويصفه بـ"الشائن». فيما يُسارع وزير خارجيته/بلينكن إلى إعتبار طاب الجنائية الدولية إعتقال مسؤولين صهاينة بتهمة التورّط في جرائم حرب بقطاع غزة «مُخزياً». بل لا يتورّع بلينكن عن الزعم بـِ (أن لا «سلطة قضائية» للجنائية الدولية على إسرائيل). فهذا يعكس من بين جملة أمور وملفات أخرى, رغبة الإدارة الحالية, في تقويض ما تبقى من مؤسسات دولية أخرى, تُعنى بالعدالة وحقوق الإنسان وعدم الإفلات من العِقاب, على النحو ال?ي جسّده طالب مدعي عام الجنائية الدولية بإصدار مُذكِرتيّ إعتقال بحق مُجرِميّ الحرب نتنياهو وغالانت.
وإلا–والحال كذلك–لكانت واشنطن كما حكومة القتلة في تل أبيب, «إنضمّتا» إلى «ميثاق روما» المُؤسس للجنائية الدولية, بدل أن تقوم الإدارات الأميركية المُتعاقِبة بهجمة مُضادة وشرسة ضد المحكمة الجنائية مباشرة بعد بدء أعمالها, عبر ممارسة ضغوط هائلة محمولة على تهديدات بالعقوبات وقطع المساعدات والشيطنة على دول عديدة في العالم خصوصاً دول الجنوب وبعض دول أوروبا, إذا لم تُوقِّع معها على إتفاقيات «ثنائية", تتعهد فيها الدولة المعنية بـ"عدم» تسليم أي جندي أو مسؤول أميركي, تتهمه الجانئة الدولية بإرتكاب جرائم حرب, حتى لو كان? (تلك الدولة) مُوقِعَة على ميثاق روما, وباتت عضواً رسمياً في الجنائية الدولية.
وإذ تتواصل ردود الفعل الهستيرية في معظم الدول الغربية, وتتعدّد الأوصاف والتفسيرات والتعليقات خصوصاً الغربية, على طلب كريم خان من قضاة الجنائية إصدار مذكرات الإعتقال, فإن من المفيد التوقف عند التصريح الصادم وغير المسبوق في دلالاته (أقلّه في ما هو مُعلن) الذي أدلى به كريم خان لمحطة (CNN) الأميركية أمس, كاشفا فيه أنه تلقّى تهديدات مباشرة أثناء إجرائه تحقيقات ضد مسؤولين إسرائيليين، وعن أنه قيل له من قِبل أحد كبار القادة «المُنتخبين» (لم يُسمه): إن المحكمة «أُنشئت من أجل افريقيا والبلطجية وليس لمحاسبة الغرب وحل?ائه». في الوقت ذاته الذي قال فيه وزير الخارجية الأميركي/بلينكن إن الإدارة الأميركية (ستكون سعيدة بالعمل مع الكونغرس لصياغة «رد مناسب» عليه/ أي كريم خان).
ماذا عن ردود الفعل السياسية/ الحزبية والإعلامية في الكيان؟.
نبدأ بمجرم الحرب نتنياهو، الذي قال في بيان: إن قرار المدعي العام بحقه «عبثي وخطوة غرضها استهداف إسرائيل بأكملها». مُضيفاً في غطرسة: «أرفضُ مقارنة المدعي العام في لاهاي المثيرة للاشمئزاز, بين إسرائيل الديمقراطية والقتلة الجماعِيّين في حماس»،. مُخاطباً كريم خان بوقاحة: «بأي جُرأة تقارِن حماس بجنود الجيش الإسرائيلي"؟.
أما مُجرم الحرب الآخر الذي لم يُنهِ كريم خان ملف التحقيق حول جرائمه في غزة, الذي تركته له المُدعية العامة السابقة/فاتو بن سودا ونقصد عضو مجلس الحرب/بيني غانتس فقال بصلف: «لقد شرعت ْدولة إسرائيل في الحرب الأكثر عدلاً، بعد المذبحة التي ارتكبتها منظمة إرهابية ضد مواطنيها. دولة إسرائيل تقاتل بأكثر الطرق أخلاقية في التاريخ، وحريصة على الإلتزام بالقانون الدولي، ولديها نظام قضائي مستقل وقوي. هذا عمى أخلاقي ومسّ بواجبها وقدرتها على حماية مواطنيها. إن قبول موقف المدعي العام سيكون جريمة تاريخية لن تُمحى»، وفق أكاذيب?. في حين لم يتأخر، زعيم المعارضة/ لبيد, بتنديد القرار ووصفه بـ"كارثة", مُضيفاً إنه «يأمل أن ينعقد الكونغرس الأميركي ويُندد بالإعلان». كما هاجم رئيس الكيان الفاشي/هرتسوغ، القرار، واصفاً إياه بأنه «أكثر من شائِن، وسيُشجع الإرهابيين» في جميع أنحاء العالم.
أما عاموس هرئيل فكتب مقالة في هآرتس/أول أمس تحت عنوان: «قنبلة لاهاي» ستأتي بالويل على دولتكم.. ورفح البداية» جاء فيها: إن طلب مدعي عام في محكمة الجنائية إصدار أوامر اعتقال ضد نتنياهو وغالانت، وثلاثة من قادة حماس،» يضع إسرائيل في وضع سياسي لم تُواجه مثله من قبل. على المدى القريب، ستقف القيادة في إسرائيل للمرة الأولى أمام تهديد عالمي كبير, في ظل قرار مواصلة الحرب في قطاع غزة. وعلى المدى البعيد ـ أضافَ ـ إذا تم تطبيق هذه الأوامر فسنجِد أنفسنا في تدهور دبلوماسي ساحق، قد تكون له آثار بعيدة المدى.
في حين كتبَ رونين بيرغمان في «يديعوت أحرونوت"/أول أمس, تحت عنوان: (بعد أن طمأنتا نتنياهو.. «العدل» و"الخارجية» الإسرائيليتان: خاننا خان). قال فيه: «في عالم آخر، في كابوس أقل، كانت إسرائيل ستصل جاهزة أكثر بكثير إلى هذه اللحظة. وما كانت لتصل على الإطلاق؛ لأن كريم خان (ما كان يريد أن يهين نفسه حتى لو كان مُقتنعاً بوجوب إصدار الأمر في محاولة ضعيفة قانونياً بهذا القدر). لكنه ليس العالم الآخر، بل هذا هو العالم، مع كابوس بالقوة الكاملة. (والآن، تصبح إسرائيل الدولة الثالثة التي يطُلب فيها إصدار أمر اعتقال ضد رئيسه?)...كابوس. ختمَ بيرغمان.