استدعاء «فزّاعات» تخويف الشباب الأردنيين من الحماسة الوطنية التي يُعبّرون بها عن أنفسهم، ويعتزون من خلالها ببلدهم وقيادتهم، لا ينمّ، فقط، عن غباء سياسي، أو انكشاف أخلاقي، أو قلة معرفة بمعدن الأردنيين وطبيعه شخصيتهم، أو عن إحساس بالصدمة من عودة الروح إليهم، وتَفجّر طاقات الثقة بدولتهم، وإنما ينمّ، أيضا، عن وجود تيارات داخل مجتمعنا، تحاول أن تُغرق شبابنا باليأس والسواد العام، وتزرع الشك بينهم وبين مؤسساتهم، ثم تستفرد بهم وبالبلد أيضا.
هذا ما حدث للأسف خلال السنوات الماضية، كما كشفته استطلاعات الرأي حول أزمة (الثلثين) في بلدنا، وحول سؤال المستقبل والاتجاه الخطأ الذي نسير إليه، لدرجة أن الكثيرين منا استسلموا لمجموعة من الأساطير التي ولّدت فينا الإحساس بالخيبة والألم وفقدان الأمل، كل ذلك تمّ بقصد من خلال فاعلين تغلغلوا داخل مجتمعنا، وتسيدوا ثقافتنا، وأغلقوا الأبواب والنوافذ أمام شبابنا، حتى كدنا نصدق أن بلدنا ليس بخير، وأن تاريخنا مليء بالسواد، وواقعنا مزدحم بالفشل، وربما أجيالنا قيد الاحتضار.
الآن، صحونا على همة جديدة تنبعث بين الشباب الأردني، وتنعش هويتهم وفاعليتهم واعتزازهم بوطنهم، اكتشفنا أن هذا الخزان الأردني الذي حاول البعض استنزافه او تجفيفه مليء بالكفاءات التي تؤمن بالأردن، وتضحي من أجله بكل ما لديها من طاقات، صحيح، ربما فاجأتنا هذه التحولات، كما صدمت البعض، لكنها في الحقيقة ولادة طبيعية خرجت من رحم الأردن الكبير، تعكس تاريخه وحقيقته، وتعبّر عن ذاته الوطنية، وتفرز من أبنائه أفضل ما لديهم من صور الانتماء والحرص، والإصرار على المنعة والصمود والإنجاز.
هذه الحماسة والهمة الوطنية تستحق الاحتفاء والإعجاب والدعم، تستحق ان نستثمر فيها ونحيطها بالعناية والرعاية، لا ان نمارس ضدها التضييق والترهيب، أو نتنمر عليها، صحيح، ربما يرافقها بعض الأخطاء والهفوات، لكنها بريئة ونبيلة وغير قابلة للتأجير أو العبث، عنوانها «الكرامة» وغايتها تعزيز الوحدة الوطنية، لا تعرف الإقصاء والعنصرية ولا الكراهية، ولا تسعى إلا لخير الأردنيين كلهم، والإنسانية أيضا.
أنت أردني؟ مهما كان دينك أو عرقك أو جنسك، من قال : لا يحق لك أن تفتخر بوطنك، وأن تستلهم من تاريخه الأمجاد، وأن تدافع عن وجوده ومصالحه؟ لا تسأل : لماذا يبدو صوتك -حين تفعل ذلك- ناشزا في «ميكروفونات» البعض الذين لا يريدون الخير لهذا البلد-، ما عليك، لست متهماً حتى تشعر بالذنب أو التقصير، لست عاجزاً حتى تبقى محبوسا بين الجدران، لست حقوداً حتى لا تُفجّر ينابيع الحكمة والمحبة في داخلك، ثم تصرّ على أن هذا الوطن وُلد ليبقى ويستمر، ولا ينحني أو يركع إلا لرب العالمين.
هؤلاء الأردنيون من احسن العرب،كما قال وصفي رحمه الله، وهذا البلد العزيز، كان وسيبقى، ذخرا لأمته، لم يتردد عن الوقوف مع قضاياها العادلة، أو التضحية من أجل الذود عن حماها، لا يوجد دولة فتحت قلبها وحدودها لكل المتعبين والمشردين والأحرار كما فعلت الدولة الأردنية /دولتنا، لا يوجد شعب تقاسم مع غيره من الأشقاء الرغيف والسكن كما فعلنا، إذا سألت عن الشهامة ستجدها هنا، وعن الكرامة سيغمرك النهر بها من هنا، وعن السماحة والعفو، من القيادة والشعب معا، ستجدها أيضا هنا، ألا يحق للأردنيين أن يعتزوا بكل ذلك، ثم يسجلوه بلسان صدقٍ في سجلات تاريخهم الخالد؟ بلى يستحقون.