أحر التعازي لجمهورية ايران الإسلامية الصديقة للأردن و العرب بوفاة و استشهاد رئيسها ابراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان و الطاقم المرافق بتاريخ 19 / أيار / 2024 في حادثة مأساوية فوق منطقة " فرزقان " بالقرب من الحدود الأذرية ،و التي تعج بالغابات و الجبال الشاهقة و الثلوج و تكسوها الضباب الكثيف في هذه الأيام . وجاء الحادث المؤسف بعد عودة الرئيس الإيراني بتاريخ 18 / أيار / 2024 من لقاء جمعه مع الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف و بعد تدشين سد " قيز قلعة سي " و الذي هو أكبر مشروع مائي بحجم 2 مليار متر مكعب من المياه سنويا في منطقة خودا عفارين ، وهو المزود بمحطة كهرومائية لتوليد 270 ميغاوات في الساعة من الكهرباء سنويا .
وقاد القدر الرئيس الايراني ووزير خاجيته و الطاقم المرافق لاختيار طائرة هوليكوبتر أميركية الصنع من طراز بيل 212 في رحلة الذهاب و العودة في وقت نجا فيه مرافقون أخرون توزعوا على طائرتين هوليكابتر تبعا طائرته وعادا أدراجهما للفور سالمتين ،وحديث تركي عن خطأ تقني أصاب طائرة الرئيس ،وهو الاقرب للصحة وسط الضباب . وبما أن الحدث المفاجيء طبيعي وغير مستهدف من جهة خارجية ، كان الأجدر و الأفضل على جهاز ايران الأمني الداخلي الخاص اختيار الوقت المناسب للرحلة و طائرة محلية الصنع أو روسية أو صينية صديقة على الأقل . و بإمكاننا أن نتساءل هنا كيف تعتبر ايران عدوة لها و تواجه عقوبات اقتصادية و تقنية من طرفها و تستخدم طائراتها في الرحلات الرئاسية ؟ و بكل تأكيد لا علاقة لإسرائيل بحادثة الرئيس رئيسي ،و سبق لها أن ردت بالمثل على رد ايران بالمسيرات و الصواريخ بعد حادثة اغتيالها لمجموعة من قادة الحرس الثوري في سوريا ،وكان ردها حينها طفيفا وكافيا .
و لقد قدم جلالة الملك عبد الله الثاني واجب العزاء بوفاة رئيس جمهورية ايران ووزير خارجيته و المرافقين لهم عبرمنصة إكس و أعرب عن تضامنه مع الأشقاء في ايران في الظرف الصعب . و بيان للخارجية الأردنية أعلن فيه تضامن الكامل مع ايران ، و اعلان عن جاهزية الأردن لتقديم العون لإنقاذ حياة الرئيس الإيراني و صحبه قبل وفاته . و تجاوز الأردن موضوع ايران وردة فعلها عندما ثأرت لاغتيال مجموعة من حرسها الثوري في سوريا و قصفت إسرائيل بالمسيرات و الصواريخ ، رغم دفاع الأردن عن سيادته وقتها ،و تفسير ايراني مقابل غير موفق مفاده بأن اسقاط الأردن للصواريخ الإيرانية فيه اعاقة لضربتها التأديبية لإسرائيل . وتجاوز الأردن من جديد حادثة استهداف ايران لأمنه الداخلي بتاريخ 6/ أيار / 2024 عبر الشروع في تهريب أسلحة الى داخله ،وهو الذي أكدته وكالة " رويترز " البريطانية للأنباء . وما يهمنا أكثر هو علاقة ايران الاستراتيجية بالأردن و بلاد العرب ،و بأمننا المشترك وسط منطقة عربية و شرق أوسطية ملتهبة . و المطلوب من القيادة الايرانية القادمة هو تهذيب هلالها الشيعي وسط العرب ، و الالتزام أيدولوجيا بحدود ايران ، و استبدال الانتشارالايدولوجي بالسياسي و الدبلوماسي .
يتمتع الأردن بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني حفظه الله بعلاقات دولية متوازنة تشمل شرق و غرب العالم و جنوبه ،و علاقة الأردن بإيران استراتيجية ،ولقاء جمع جلالة الملك عبد الله الثاني بمحمد خاتمي عام 2000 . وفي أخر لقاء جمع وزير خارجيتي البلدين الأردن و ايران ، السيد أيمن الصفدي و حسين أمير أظهر الأردن رغبته بعلاقات طيبة مع ايران ، و أعربت ايران عن احترامها للأردن و حرصها على أمنه و أمن المنطقة . و مؤشرات جديدة لأحتمال استئناف العلاقات بين بلدينا على مستوى سفير كما كانت قبل عام 2016 . و العلاقات الأردنية تاريخية بدأت تجارية و تحولت الى سياسية و اقتصادية و دبلوماسية مع استقلال الأردن عام 1946 ، و افتتاح قنصليات في عمان و طهران ، و اتفاقية ثقافية عام 1960 ، و تجارية عام 1963 ، ومالية عام 1973 ، و سياحية عام 1975، و زيارات تاريخية قام بها الملك المؤسس عبد الله الأول .
وسجل عهد مليكنا العظيم الحسين طيب الله ثراه تعزيزا للعلاقات مع ايران حفاظا على أمنه الداخلي مع التأكيد على استقلال الأردن و ايران .و زيارة لإيران قام بها الملك الحسين عام 1973 ، و برقية أرسلها جلالته مهنئا بثورة عام 1979 ، و زيارة قام بها شاه ايران للأردن عام 1975 . و شكلت الحرب العراقية – الإيرانية 1980- 1988 منعطفا أردنيا مساندا للقومية العربية ،وهو الأمر الطبيعي الذي لم تعترض عليه ايران وتفهمته وواصلت علاقاتها الدبلوماسية بعدها مع الأردن .
ايران بالنسبة للأردن دولة إقليمية محورية هامة ،وفي الوقت الذي يقيم فيه الأردن علاقات دبلوماسية مع إسرائيل منذ عام 1994 ، بنى علاقات متينة اقتصادية و عسكرية و أمنية مع الولايات المتحدة الأمريكية ، ومع حلف " الناتو " ، ومع دول الغرب خاصة ، ومع دول شرق و جنوب العالم ، مع روسيا الاتحادية ،ومع الصين ، ومع اليابان ،ومع كوريا الجنوبية .ووقفت ايران في المقابل ضد قرار تقسيم فلسطين رقم 181 ،و ضد دخول إسرائيل عضوا في الأمم المتحدة ،و سبق لإيران في عمق التاريخ المعاصر أن أقامت علاقة مع إسرائيل عام 1953 في عهد محمد رضا بهلوي ،ثم عادت وقطعت علاقاتها مع إسرائيل عام 1979 بعد ثورة روح الله الخميني المرشد الأعلى ، و توجه ايراني لمساندة حركات التحرر العربية ( حزب الله ، و الجهاد الإسلامي ، و حماس ) .
يلتقي الأردن مع إيران حول مصير حرب غزة بالدعوة المشتركة لوقفها فورا ،و بتقديم المساعدات الإنسانية و الطبية و بإستمرار للأشقاء الفلسطينيين ،و عبر ادانة حرب الإبادة الإسرائيلية التي راح ضحيتها حتى الان أكثر من 35 الفا من الشهداء ، معظمهم من الأطفال و النساء و الشيوخ .ويقف الأردن كما ايران ضد الاجتياح الإسرائيلي المتصاعد لرفح لمنع وقوع مجزرة إسرائيلية بشرية جديدة بحق الفلسطينيين . و يعتبر الأردن و كذلك ايران السابع من أكتوبر 2023 قرارا لحماس يعالج عبر القنوات السياسية و الدبلوماسية ،عبر الأمم المتحدةو مجلس الأمن ، و الحوارات الميدانية المباشرة في المحافل الدولية ، ومن خلال تقدم العون للفلسطينيين المسالمين .و تقود ايران الدعم المالي و التقني و العسكري لحركات التحرر العربية ( حزب الله ، و حشد في العراق ، و حماس ، و الجهاد ، و الحوثيون ) ، وتبقي قرار القتال لهم في ميادين القتال .
تتموج علاقة إسرائيل و أمريكا مع ايران حسب الرسم البياني لمشروعها النووي العسكري ،و هذا لم يمنع الأردن من التوجه من جديد لتقوية علاقته مع ايران في اطار من الضوابط الأمنية المشتركة ، و اعتبار أمن الأردن خط أحمر . و سبق لإيران عامي 2011 / 2012 أن عرضت البترول على الأردن عبر سفيرها في عمان مصطفى صالح مقابل الحصول على بضائع أردنية . و مشروع ايران في اسناد المقاومة الفلسطينية تحديدا فيه تصدي لمشروع التهجير القسري للفلسطينيين تجاه الأردن و مصر والى غير مكان في زمن معاهدة السلام الأردنية – الإسرائيلية ،و المصرية ، ومعاهدات سلام العرب ،و البحث عن سلام مع المملكة العربية السعودية .