يصادف هذا العام الذكرى الـ20 لتأسيس منتدى التعاون الصيني العربي. على مدى العقدين الماضيين، يسترشد المنتدى بالدبلوماسية على مستوى القمة، ويلتزم بأهدافه المتمثلة في تعزيز الحوار والتعاون وتدعيم السلام والتنمية، وقد أصبح علامة ذهبية للحوار الجماعي والتعاون العملي بين الجانبين الصيني والعربي، وقدم مساهمات مهمة في تعزيز العلاقات الصينية العربية، وشكل نموذجا يحتذى به لتعاون بين دول الجنوب. ستعقد الدورة العاشرة من الاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني العربي في بكين نهاية هذا الشهر، وهو أول اجتماع وزاري بعد القمة الصينية العربية الأولى، فيكتسب أهمية كبيرة لاستعراض الماضي واستشراف المستقبل. ونثق بأن هذا الاجتماع سيكون حدثا مهما للجانبين لتعزيز الصداقة وتحقيق التنمية والتطلع للمستقبل
في يوم 16 مايو، افتتحت الدورة الـ33 لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة في المنامة العاصمة البحرينية. وبعث الرئيس شي جينبينغ رسالة التهنئة إلى الرئيس الدوري للقمة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، حيث أشاد بالتزام جامعة الدول العربية الدائم بتعزيز تقوية الذات في العالم العربي عبر التضامن وتدعيم السلام والاستقرار والتنمية في منطقة الشرق الأوسط، وأشار إلى أن العلاقات الصينية العربية تمر بأفضل مراحلها في التاريخ.
وتضرب الصداقة الصينية العربية بجذورها في أعماق التاريخ، ويشهد التعاون الصيني العربي ازدهارا وحيوية، ويتعاون الجانبان في بناء مجتمع الصيني العربي للمستقبل المشترك، ويتضامنان في مواجهة كافة التحديات القائمة حاليا والمحتملة في المستقبل.
ظلت الصين والدول العربية أخوين عزيزين تربطهما الثقة المتبادلة. منذ تأسيس منتدى التعاون الصيني العربي في عام 2004، شهدت العلاقات الصينية العربية "قفزة من ثلاث مراحل"، أي من "علاقات الشراكة" إلى "علاقات التعاون الاستراتيجي" وصولا إلى "علاقات الشراكة الاستراتيجية". في ديسمبر عام 2022، انعقدت القمة الصينية العربية الأولى بنجاح،
حيث قام الرئيس شي جينبينغ والقادة العرب بوضع التخطيط الشامل للعلاقات الصينية العربية، واتفقوا على بذل كل الجهود لبناء المجتمع الصيني العربي للمستقبل المشترك في العصر الجديد. ويعد الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية ورفض الهيمنة وسياسة القوة ومعارضة المواجهة الأيديولوجية من أهم توافق وأثمن ثروة للجانبين الصيني والعربي.
في هذا السياق، اعتمد مجلس جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية القرار المتعلق بالصين للمرة الـ44 على التوالي، مؤكدا فيه مرة أخرى على الدعم لمبدأ الصين الواحدة. كما وقعت 15 دولة عربية على البيان المشترك الداعم للصين في الدورة الـ78 للجنة الثالثة للجمعية العامة للأمم المتحدة، وكذلك البيان المشترك الداعم للصين في الدورتين الـ53 والـ54 لمجلس حقوق الإنسان.
في المقابل، تدعم الصين بحزم جهود الدول العربية في الحفاظ على الأمن السياسي والاستقرار الاجتماعي، والسير في طريق التنمية المستقلة وتقوية الذات عبر التضامن. كما نجحت الصين في تحقيق المصالحة التاريخية بين السعودية وإيران برعاية الرئيس شي جينبينغ، مما أثار "موجة المصالحة" في الشرق الأوسط.
ظلت الصين والدول العربية شريكين طيبين في التنمية المشتركة. حيث يزدهر التعاون الصيني العربي في مجال الاقتصاد والتجارة، وتبقى الصين كأكبر شريك تجاري للدول العربية لسنوات متتالية، ويزداد حجم التجارة بين الجانبين باستمرار.
في الوقت نفسه، يمتد التعاون العملي بين الجانبين من المجالات التقليدية، مثل الطاقة والتجارة والاستثمار والمشاريع الهندسية إلى المجالات الناشئة، مثل الاتصالات والطاقة النووية والفضاء والأقمار الاصطناعية. كما أحرز التعاون بين الجانبين تقدما جديدا ومستمرا في مجالات التنمية الخضراء والثقافة والتعليم والإعلام والإذاعة والتلفزيون والتواصل بين الشباب والصحة، الأمر الذي عاد بالخير على الشعبين الصيني والعربي على نطاق واسع. وتشجع الصين وتدعم الشركات والمؤسسات المالية الصينية لتعميق التعاون مع الدول العربية في مجال البنية التحتية، بما فيها السكك الحديدية والطرق العامة والموانئ والطيران والكهرباء والاتصالات، وتوسيع حجم التشغيل والتعاون للمشاريع،
بما يساعد الدول العربية في تحسين البنية التحتية. في هذا الجانب، إذ أن الماركات الصينية والسرعة الصينية والتقنيات الصينية لاقت تقديرا عاليا من الشعوب العربية.
فيما ظلت الصين والدول العربية صديقين حميمين يربطهما الاحتضان والاستفادة المتبادلة. علما بأن الحضارات تختلف عن بعضها البعض، لكن لا حضارة تفوق فوق حضارات أخرى.
في الوقت الذي يترابط فيه مستقبل الدول بشكل وثيق، يلعب الاحتضان والتعايش والتواصل والتفاهم بين مختلف الحضارات دورا لا بديل له في دفع عملية التحديث للمجتمع البشري وتنويع حضارات العالم.
بالتأكيد تعد الحضارة الصينية والحضارة العربية من كنوز الحضارة العالمية، وتشكلان انموذجا للتعايش المتناغم بين الحضارات البشرية منذ آلاف سنين.
على هذه الخلفية، ينص "إعلان الرياض" الصادر عن القمة الصينية العربية الأولى بوضوح على "ضرورة تكريس القيم المشتركة للبشرية جمعاء المتمثلة في السلام والتنمية والإنصاف والعدالة والديمقراطية والحرية".
وفي الدورة الأولى من منتدى ليانغتشو المنعقدة في ديسمبر عام 2023، أصبحت جامعة الدول العربية أول منظمة إقليمية في العالم أصدرت وثيقة حول تنفيذ مبادرة الحضارة العالمية مع الصين. في العالم الذي يتشابك فيه الفوضى والاضطرابات، عبّرت الصين والدول العربية بوضوح عن رؤيتهما حول الحضارات، عملتا على تنفيذ مبادرة الحضارة العالمية بخطوات على الأرض.
ظلت الصين والدول العربية رفاق في طريق الدفاع عن العدالة. لا يجوز الاتجار بالحق الوطني المشروع في إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، ولا يجوز شرعنة التصرفات المنتهكة للحقوق والمصالح المشروعة لفلسطين، ولا يجوز أيضا إهمال المطالب التاريخية العادلة للأمة العربية لزمن طويل،
و ولا تزال الصين تقف إلى جانب السلام والعدالة، وتدعم الموقف العادل للدول العربية الغفيرة. بعد اندلاع جولة الجديدة من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، تبقى الصين على التواصل والتنسيق الوثيقين مع الدول العربية عبر القنوات الثنائية ومتعددة الأطراف للدفاع عن العدالة والإنصاف.
واتخذ الوفد المشترك لوزراء خارجية الدول العربية والإسلامية الصين كالمحطة الأولى لجهود الوساطة. وأصدرت وزارة الخارجية الصينية والأمانة العامة لجامعة الدول العربية بيانا مشتركا بشأن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، حيث اتفقتا على أن الأولوية القصوى تكمن في الوقف الفوري لإطلاق النار وضمان إيصال المساعدات الإنسانية، وضرورة الدفع بإيجاد حل شامل وعادل ودائم للقضية الفلسطينية على أساس "حل الدولتين" بأقصى سرعة.
فيما رُفع شراع التضامن والتآزر، لتصل السفينة إلى الوجهة المرجوة متجاوزة الرياح القوية والأمواج العاتية. وقد أحرز التعاون بين الصين والدول العربية نتائج مثمرة في كافة المجالات، الأمر الذي يتماشى مع تطلعات الشعبين للتنمية. استشرافا للمستقبل، يشهد التعاون الصيني العربي زخما قويا وأفق واعدة.
كما قال الرئيس شي جينبينغ إن الصين على استعداد للعمل مع الدول العربية على مواصلة تكريس روح الصداقة الصينية العربية، وبناء المجتمع الصيني العربي للمستقبل المشترك على مستوى أعلى، بما يساهم في إقامة مجتمع المستقبل المشترك للبشرية.