انتخابات نواب الأردن 2024 اقتصاديات أخبار الأردن جامعات دوليات برلمانيات وفيات رياضة وظائف للأردنيين أحزاب مقالات مقالات مختارة مناسبات شهادة جاهات واعراس الموقف مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة

بطَّاح يكتب: 'السابع من أكتوبر'، لماذا هزّ الإقليم والعالم؟!


د. أحمد بطّاح

بطَّاح يكتب: 'السابع من أكتوبر'، لماذا هزّ الإقليم والعالم؟!

مدار الساعة ـ نشر في 2024/05/18 الساعة 18:54
لعلّنا لا نبالغ إذا قلنا بأن يوم "السابع من أكتوبر" كان يوماً غير مسبوق في تاريخ القضية الفلسطينية، فقد تجاوزت آثاره الطرفين المباشرين: فلسطين وإسرائيل إلى الإقليم بدوله ومياهه بل والعالم بأنظمته السياسية، وهيئاته الأممية، ورأيه العام.
والسؤال الكبير الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو لماذا؟ لماذا كان كل هذا الأثر لهذا اليوم؟ إنّ هنالك أسباباً عديدة يجدر بنا أن نتوقف عندها وهي:
أولاً: أنه (أيّ السابع من أكتوبر) كان المرّة الأولى التي يضرب فيها الشعب الفلسطيني عدوه الصهيوني ضربة استراتيجية وازنة بعد أن تلقى الضربات طوال (76) عاماً. إنها المرّة الأولى التي تخطط فيها المقاومة الفلسطينية بشكل جيد، وتستعد، ثم تقوم بمفاجأة استراتيجية كاملة أربكت العدو وجعلته يترنّح بل ويقبل العون المستعجل من حلفائه الغربيين وبالذات الولايات المتحدة التي قدّمت له دعماً غير مسبوق ربما لم يكن لولاه ليصمد طويلاً، كما كانت المرة الأولى التي يدخل فيها المقاتل الفلسطيني إلى ما تعتبره إسرائيل أرضها (غلاف غزة)، وقد كان يكتفي دائماً بالرد من الأراضي الفلسطينية المحتلة (أيّ ما تبقّى من فلسطين التاريخية وهي الضفة الغربية وقطاع غزة). إنّ من نافلة القول الإشارة إلى أنّ هذا اليوم أعاد إلى الشعب الفلسطيني ثقته بنفسه، وأشعره بأنه يستطيع ليس فقط أن يصمد بل أن يبادر، ويهاجم وصولاً إلى يوم النصر والتحرّر من الاحتلال الإسرائيلي.
ثانياً: لقد شكل هذا اليوم (أيّ السابع من أكتوبر) ضربة استراتيجية كبيرة لإسرائيل التي لم تكن تتوقع من فصيل فلسطيني صغير نسبياً (أيّ حماس) أن يتجرأ ويهاجم إسرائيل في عقر دارها، وبغض النظر عن الخسائر التي تكبّدتها إسرائيل على الصعيد العسكري، والمدني، والاقتصادي فقد كان "طُوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر صفعة مُوجعة مسّت نظرية الأمن والردع الإسرائيلية، ولذا فليس غريباً أن تردّ إسرائيل على هذه الصفعة بكل الإجرام التي ردّت به من تدمير، وترويع، وتهجير، وتجويع فقد أحسّت بأنها أُهينت، وشعرت بأنّها بحاجة إلى أن تنتقم وتُري الإقليم والعالم أنها ما زالت قوة كبيرة وقادرة على سحق خصومها كما فعلت في معظم الحروب والمواجهات السابقة، وتأكيداً لهذا الموقف فقد قال وزير الدفاع الإسرائيلي "جالانت" (إننا إذا لم ننتصر فلن نستطيع العيش في إسرائيل!).
ثالثاً: لقد كان لهذا اليوم (أيّ السابع من أكتوبر) آثاره وانعكاساته في الإقليم، فقد امتدت يد البطش الإسرائيلية إلى الضفة الغربية حيث قتلت أكثر من (500) واعتقلت أكثر من (9000) فلسطيني، كما دارت حرب مضبوطة ولكنها مهمة على الجبهة اللبنانية، كما اشتعلت منطقة البحر الأحمر حيث شُلّ تماماً ميناء إيلات الإسرائيلي، وتراجعت عائدات قناة السويس إلى النصف، وشهدت إسرائيل هجمة "إيرانية" استدعت من حلفائها (أمريكا، بريطانيا، فرنسا) أن يتدخلوا مباشرةً لصدها. إن "السابع من أكتوبر" وَتّر الإقليم، وخلق فيه حالة احتقان، وجعل الجميع فيه يعيش حالة عدم التأكد (Uncertainty).
رابعاً: لقد أدّى هذا اليوم (أيّ السابع من أكتوبر) إلى تعميق حالة الاستقطاب (polarization) في العالم، فالدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة اتخذت جانب إسرائيل ودعّمتها عسكرياً، وسياسياً، واقتصادياً، أمّا الأقطاب المتعددة الجديدة وبالذات روسيا والصين فقد بدت أكثر تفهماً للجانب الفلسطيني ودعمته سياسياً وإن بصورة متواضعة، ولكن ما لا شك فيه أنّ يوم السابع من أكتوبر أضاف قضية خِلافية جديدة إلى الخلافات السابقة بين القوى الكبرى في العالم (الناتو والاتحاد الأوروبي من جهة وروسيا والصين والبرازيل والقوى الأخرى المساندة من جهة أخرى) وبخاصة أنّ هذا اليوم فضّح ازدواجية المعايير لدى الغرب حيث تعامل مع "قضية أوكرانيا" بمعايير معينة، وتعامل مع معركة الإسرائيليين والفلسطينيين بمعايير أخرى مختلفة!
خامساً: لقد أيقظ هذا اليوم (أيّ السابع من أكتوبر) الرأي العام العالمي وبغض النظر أحياناً عن توجهات دوله وأنظمته السياسية، فقد سارت المظاهرات في مختلف العواصم والمُدن الكبرى في العالم منددةً بما تقارفه إسرائيل من جرائم موصوفة، ومطالبةً بوقف الحرب الهمجية على قطاع غزة، ولعلّ "انتفاضة" الطلبة في الجامعات على مستوى العالم، وانطلاقاً من الولايات المتحدة وجامعاتها العريقة (هارفارد، MIT، كولومبيا) يدل دلالة واضحة على أن الرأي العام العالمي (وبالذات الشرائح الشابة والواعية) أصبحت مُستفزّة بالفظائع الإسرائيلية، وأنها تطالب بقوة بوقف المجازر الرهيبة التي ترتكبها إسرائيل.
سادساً: لقد حثّ هذا اليوم (أيّ السابع من أكتوبر) جميع الهيئات والمنظمات الدولية على أخذ مواقف واضحة لصالح الحق الفلسطيني، فالجمعية العامة للأمم المتحدة صوتت بواقع (143) دولة في تأييد لقرار الاعتراف بالدولة الفلسطينية، ومحكمة العدل الدولية قبلت مبدئياً اتهام إسرائيل بتهمة "الإبادة الجماعية" وهي تسير قُدماً في الإجراءات، ومحكمة الجنايات الدولية تفكر في اتهام زعماء إسرائيل (رئيس الوزراء نتنياهو، ووزير الدفاع جالانت، ورئيس هيئة الأركان هاليفي) بجرائم حرب، ناهيك عن "الأونروا"، ومنظمة الصحة العالمية، وبرنامج الغذاء العالمي، ومجلس حقوق الإنسان، والتي لم تقصّر جميعاً في إدانة إسرائيل بشكل أو بآخر مؤشرةً على الانتهاكات التي مارستها وماتزال في قطاع غزة.
وإذنْ، فهل من المبالغة أن نقول بأنّ (السابع من أكتوبر) كان له ما بَعَده، وأنه هزّ الإقليم والعالم وما يزال؟!

مدار الساعة ـ نشر في 2024/05/18 الساعة 18:54