بعد تنصيب الرئيس فلاديمير بوتين رئيسا لروسيا الاتحادية للمرة الخامسة بتاريخ 7/ أيار / 2024 وسط حفل رسمي مهيب في قصر الكرملين الرئاسي في العاصمة موسكو ، و بعد العرض العسكري المتميز للجيش الروسي في الساحة الحمراء بتاريخ 9 / أيار ، أعاد الرئيس بوتين تشكيل حكومة جديدة برئاسة رئيسها السابق مخائيل ميشوستين ،و تغيير قائد الجيش وزير الدفاع سيرجي شايغو و استبداله بوزير الاقتصاد أندريه بيلوسوف ، في خطوة اعتبرت عالميا مدهشة بينما هي طبيعية ما دام الرئيس بوتين هو القائد الأعلى للقوات المسلحة الروسية ،وما دام الجيش الروسي في معركته في أوكرانيا و التي هي بالوكالة مع حلف " الناتو " محتاجة لتوجه عسكري اقتصادي جديد يتناسب مع إعلان أمريكا بأن المساعدات العسكرية للعاصمة " كييف " ستبقى مستمرة حتى تحصل أوكرانيا على سيادتها التي تناضل من أجلها ، في الوقت الذي ترنو فيه أمريكا لديمومة الحرب الباردة و سباق التسلح و تضييق الخناق على روسيا ، وهو الأهم لها .
تتعمد أمريكا قاعدة لوجستيا احادية القطب و الناتو عدم فهم الفرق بين استقلال أوكرانيا عن الاتحاد السوفيتي عام 1991 ، و مسألة خروجها عن نص اتفاقية تفكيك الاتحاد السوفيتي التي لا تسمح للدول المستقلة عنه ومنها أوكرانيا عقد تحالف مع جهة معادية مثل ( الناتو) ،و بأن مادة ميثاق الأمم المتحدة 751 تخول الدول المعتدى على سيادتها ومنها روسيا التي تعرضت و لازالت لمؤامرة بريطانية – أمريكية – غربية الدفاع عن نفسها ، و بأن الأحقية التاريخية في الاراضي الأوكرانية تملكها روسيا ، وبأن روسيا لا تسمح لأوكرانيا بالخروج عن الحياد .و يرفض الغرب ذات الوقت قبول نتيجة صناديق الاقتراع التي شملت مجموعة أقاليم أوكرانية سابقة تقع في الجانب الشرقي وكانت نتيجتها لصالح الانضمام لروسيا و رفض التعامل مع نظام " كييف " السياسي . وهذه الاقاليم هي : " لوغانسك و دونيتسك " الدونباس " ، و زاباروجا ، و خيرسون . و الجيش الروسي يتقدم تجاه خاركوف لحماية الدونباس و مدينة بيلغاراد الحدودية .
وهاهو وزير خارجية أمريكا أنتوني بلينكين يعزف على قيتارة في العاصمة " كييف " بعد تقديم بلاده لغرب أوكرانيا 61 مليار دولار اضافية لديمومة الحرب وحتى تحصل على سيادتها بينما الخسائر العسكرية الأوكرانية الغربية كبيرة و متلاحقة في ميدان المعركة وفوق طاولتها الرملية .و صرح بلينكين مؤخرا بأن الشعب الأمريكي يدرك أن روسيا لن تتوقف في أوكرانيا ،ونحن نعرف ( و الكلام هنا لي ) بأن الأميركان لا يتحدثون السياسة التي يمتهنها ساسة أمريكا و جهازهم اللوجستي في البنتاغون – السي أي ايه .
و يرافق الرئيس بوتين في زيارته للصين حديثا وزير دفاعه السابق سيرجي شايغو الذي أصبح يشغل منصب أمين عام مجلس الأمن الروسي و مدير الصناعات العسكرية ، و وزير الدفاع الروسي الجديد الاقتصادي أندريه بولوسوف لمواصلة العمل العسكري مع الصين من جهة ، و لضمانة عدم نشوب خلافات بينهما في غياب الرئيس بوتين على ما يبدو . ولكي لا يحدث في روسيا مايشبه الانقلاب على غرار حادثة فاغنر في الفترة الزمنية الأخيرة . ولن يرتدي وزير دفاع روسيا الجديد أندريه بولوسوف البزة العسكرية و النياشين كونه اقتصادي ، و سيواصل سيرجي شايغو وزير الدفاع السابق ظهوره في منصبه الجديد في مجلس الأمن الروسي و الصناعات الروسية من دون بزة عسكرية ومن دون نياشين . و سوف يستمر شايغو في عمله مساعدا لبولوسوف في المجال العسكري الروسي .
لقاء الرئيس بوتين بعد تعيين وزير دفاع روسي جديد مع كبار الجنرالات الروس كان هاما و دقيقا ، عكس انشغاله في ادارة أمور الدولة ،و بأنه الرئيس المناسب في المكان المناسب ، وقال في اللقاء بأن أمام بلاده الكثير لفعله ، و بأن الصرف المالي العسكري وصل الى 80% وهو بإزدياد في اشارة للحرب الأوكرانية كما هو متوقع . و كلف وزير دفاعه الجديد الاشراف على الاقتصاد الروسي بالكامل و الأنتباه للتقاعدات و للبطالة . و شدد الرئيس بوتين على ضرورة المحافظة على هيكل مؤسسة الجيش .
وزير مالية روسيا الجديد أنطون سيلوانوف صرح بأن روسيا سترد بالمثل حالة مصادرة الغرب لوديعتها لديها البالغة 300 مليار دولار المملوكة للبنك المركزي الروسي ، و بأن لدى روسيا مبلغا ماليا غربيا مماثلا سيبقى مهددا . و تصريح مقابل لرئيس وزراء بريطانيا ريشي سوناك دعا من خلاله مجموعة السبع لإتخاذ خطوة جريئة تجاه مصادرة الوديعة الروسية و التي يطلق عليها مصطلح " الأصول المالية " ، و المعروف لدينا هو بأن بريطانيا الشريرة في زمن رئيس وزراءها السابق بوريس جونسون هي من أشعلت الحرب الأوكرانية الى جانب أمريكا – جو بايدن لأسباب لا علاقة لها بسيادة أوكرانيا مثل ما لها علاقة مباشرة بإستهداف أوكرانيا و روسيا معا ، و بهدف ديمومة الحرب الباردة و سباق التسلح و ارهاق روسيا اقتصاديا ما أمكن .
روسيا بجيشها و بحريتها و عسكرتها للفضاء ،و بقدراتها النووية العسكرية و البيولوجية و الكيميائية الكبيرة ، و لكونها فوق نووية السلاح ، و فرط صوتية ، ستبقى قطبا و دولة عملاقة ، و تمتلك علاقات استراتيجية ضخمة مع الصين بالذات ، و لن يتمكن الغرب الأمريكي يوما من الانتصار عليها من خلال العاصمة " كييف " . وكان بإمكان الغرب لو كان ذكيا و نواياه حميدة لذهب الى السلام مع روسيا و استبدله بالحرب السرابية الخاسرة . وهاهي روسيا منتصرة و تتقدم بقوة في ميدان المعركة خلف منطقة الدونباس تجاه مدينة خاركوف ، وكما ذكرت هنا لحماية الدونباس ، و مدينة بيلغاراد الحدودية التي تتعرض لقصف أوكراني يومي . ولن تقبل روسيا الجلوس مع نظام " كييف " في أي منطقة في العالم بما في ذلك سويسرا بشروطه و الغرب ، بينما تقبل بسلام الأمر الواقع بشروطها وبعد العودة لاتفاقية قبل عام 2022 ، و بحياد أوكرانيا وعدم المساس بشرعية القرم لروسيا .
الرئيس بوتين من خلال منصتي تنصيبه ، و من وسط الساحة الحمراء – ميدان أضرحة القادة السوفييت و العرض العسكري الروسي المهيب بمناسبة ذكرى النصر على النازية الألمانية في الحرب العالمية الثانية أرسل إشارات لجاهزية بلاد روسيا للحوار مع الغرب في القضايا الاستارتيجية الهامة وعلى قاعدة الندية . و يخطيء في أمريكا و الغرب من يعتقد بأن عقوباتهم الاقتصادية أحدثت أثرا سلبيا على الاقتصاد الروسي الذي بات يتربع اليوم على المرتبة الأولى على مستوى أسيا . و تتوجه روسيا – بوتين لترتيب أوراقها الداخلية و الخارجية ،و الدفع تجاه بناء عالم متعدد الأقطاب ، متوازن ، وعادل ، و قادر على انهاء الحرب الباردة و سباق التسلح ، وتثبيت نهاية لتواجد و تمدد احادية القطب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية و " الناتو " .