لنتجاوز التهديد الفارغ الذي تضمنه أمر الرئيس الأميركي/بايدن, بتعليق «مؤقت» لتصدير شحنة القنابل الثقيلة لجيش النازية الصهيونية, بسبب تمرّد مجرم الحرب نتنياهو عليه, وبدء اجتياحه مدينة رفح المثقلة بسكانها ونازحيها, وانعدام قدرتها على توفير أدنى حد من الخدمة المتواضعة لهم، ناهيك عن افتقارها إلى أي مشافي حقيقية، بل كل ما فيها مُجرد مُستوصفيْن متواضعين, أحدهما (بعد توسيعه) لا يتسع سوى لـ«30 سريراً».. بل ثمة حاجة للتذكير بأن بايدن وبلينكن وجون كيربي كما متحدثة البيت الأبيض, قالوا جميعاً أن الكرة في ملعب حماس وأن ما هو معروض عليها «سخي»، وعليها أن تتحمل مسؤولية رفضه. وعندما قبِلت/حماس تلعثموا ولم يحملوا نتنياهو المسؤولية, وراحوا يتحدثون بعمومية أن نقاط الخلافات المتبقية يمكن التجسير عليها, لكنهم جَهّلوا المسؤول عن تعثرها, وتركوا القرار لمجرمي مجلس الحرب الصهيوني. وكما هو معروف بدء جيش العدو باحتلال معبر رفح الفلسطيني الذي يقابله معبر رفح المصري، وهذا لم يكن موضع معارضة من قِبل البيت الأبيض, الذي سارع إلى «تذكير» العالم بأن المعبر بات من مسؤولية اسرائيل (كذا!!). لكن تحرك آلة الحرب الصهيوأميركية باتجاه أحياء شرق رفح, هو ما «أزعجَ» البيت الأبيض, الذي لم يتورّع عن القول بأن «المؤشرات» لا تشي بأن الجيش الصهيوني يقوم بـ«عملية كبيرة» او يستهدف التوسّع..
ثم.. جاءت (وهنا يكمن الموقف الحقيقي للرئيس الذي لم يتوقّف عن التفاخر بـ«صهيونيته») توجيهات بايدن إلى فريقه بان «يتعاونوا» مع اسرائيل كي يُلحِقوا الهزيمة بحماس، إلى أن أعلن بايدن شخصياً أن «قرارا نهائيا لم يُتخذ بشأن صفقة القنابل الثقيلة هذه». ما يعني من بين امور أخرى أن همروج حظر السلاح لا تعدو كونها مزحة, وإن كانت أثارت بعض ردود الفعل الغاضبة لدى قادة الدولة الاستعمارية العنصرية، إلا أنهم على ثقة أن الشريك الأميركي او الصهيوني الأكبر (كما وصفه حرفيا نتنياهو) لن يتخلى عن الدولة اليهودية «الوحيدة» في العالم، ما بالك الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط أو «الفيلاّ الغربية» في غابة الاستبداد العربي. زد على ذلك ما تضمنه قرار الخارجية الأميركية أول أمس10/5. إذ جاء فيه: أن الولايات المتحدة «لم تتمكن» من التوصل إلى «أدلة قاطعة» على أن إسرائيل استخدمت الأسلحة الأميركية, بِطرق لا تتفق مع القانون الانساني الدولي في حرب غزة التي خلفت اكثر 35 ألف قتيل، 72% منهم اطفال ونساء، بالإضافة إلى عشرات آلاف الجرحى ونحو 10 آلاف مفقود، ودمار هائل وغير مسبوق شمل 50% على الاقل من منازل المواطنين في القطاع.
وأضاف تقرير الخارجية الأميركية: إسرائيل تستخدم الأسلحة الأميركية «وفقا للقانون الدولي». قد يرى البعض ـ تابعَ البيان ــ أن إسرائيل استخدمت أسلحتنا في حالات تتعارض مع التزامها بالقانون الدولي»، لكنه أكّدَ ـ خَتَمَ ـ أن «لا معلومات كاملة لدينا».
هنا والآن بدأت تتكشف الحقائق عن الترسانة العسكرية الضخمة, التي تحوزها دولة المُستعمِرين الصهاينة. وهو ما كشفته صحيفة ذِي «غارديان» البريطانية, في تقريرها الموسع واللافت اول أمس/الجمعة, الذي جاء تحت عنوان: حتى لو كان «تهديد بايدن جدِّياً».. فإن «مخازن إسرائيل مُكدسة بأسلحة أميركية تكفي لاجتياح رفح». كشفَ تقرير الصحيفة البريطانية واسعة الإطلاع والمصادر والتأثير: ان الحرب الإسرائيلية على غزة, ما كانت لتكون بهذه الضراوة والشراسة والقوة، وما كان مُمكناً أن تستمر بهذه الوتيرة التدميرية نفسها كل هذه المدَّة, لولا المساعدات العسكرية الأميركية واستمرار الإمداد بالذخائر والأسلحة وغيرها. لذلك ــ تابعت الغارديان ـ إسرائيل قادرة على اجتياح رفح, حتى لو كان تهديد الرئيس جو بايدن جدياً. فالأسلحة والذخائر الأميركية «مُكدَّسة في المخازن الإسرائيلية، وتكفي لرفح وغير رفح»، بحسب دان صبّاغ.
وأضافت الصحيفة الى ان» هناك اتفاق قائم مدته عشر سنوات، وقَّعه الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما في عام 2016، مدته 10 سنوات، سمح بتوفير 3.3 مليار دولار سنوياً من الأسلحة منذ العام 2018، بالإضافة إلى 500 مليون دولار أخرى سنوياً لأنظمة الدفاع الجوي. علاوة على ذلك، وافق الكونغرس، الشهر الماضي، على مساعدات عسكرية إضافية بقيمة 13 مليار دولار، منها 5.2 مليار دولار لتعزيز الدفاعات الجوية الحالية. إنها علاقة أمنية متينة بين البلدين ــ لفتت الصحيفة ــ بدأت في الستينيات من القرن الماضي، وحتى الآن، قدمت الإدارات الأميركية المتعاقبة أكثر من 123 مليار دولار كمساعدات عسكرية لإسرائيل. ووفقاً لمعهد «ستوكهولم» لأبحاث السلام فإن 69% من واردات إسرائيل من الأسلحة تأتي من الولايات المتحدة.
** إستدراك:
كتب آفي يسخروف في «يديعوت أحرونوت» الخميس الماضي 9/5 مقالة تحت عنوان: بأيادي مُكبّلة» جا فيها: ثمة سُبل للخروج من المتاهة الحالية مع واشنطن. احدها هو بالطبع اجراء حوار أكثر قربا معها حول إمكانيات اليوم التالي في غزة. يُحتمل أنه اذا كانت إسرائيل نتنياهو تقول شيئا ما عن تواجد السلطة الفلسطينية في غزة اليوم التالي، لكان تسبّب الامر لواشنطن أيضاً ان تُشدد الضغط على حماس سواء عبر قطر أم عبر إعطاء ضوء اخضر لإسرائيل للخروج الى حملة أوسع في رفح. لكن رفح، بعد جملة التهديدات والوعود من جانب نتنياهو بشأن «النصر المطلق» بقيت في واقع الامر الرصاصة الأخيرة لإسرائيل في خزان المفاوضات. المشكلة هي انه طالما لا يُؤيد الاميركيون عملية كهذه، يكون واضحا لكل الأطراف بان هذه الرصاصة أيضا هي «رصاصة فارغة».