لعل أكبر قطبين عالميين في السياسة والعسكرة هما روسيا الاتحادية واجهة الدول المستقلة وتعددية الأقطاب والشرق، والولايات المتحدة الأمريكية قائدة احادية القطب و(الناتو) والغرب، وهنا لا اتحدث عن الصين المتربعة على عرش الاقتصاد العالمي.
وبالمناسبة روسيا العظمى كما أمريكا العظمى تتابع كل أركان العالم، ومن أهم التحديات التي تقف أمامها تحدي الغرب الأمريكي لها ليس في الموضوع الأوكراني فقط 2014 / 2022 / 2024، ولا حول قضية غزة 2023/ 2024، ولكن في قضايا الحرب الباردة، وسباق التسلح، والنزاع النووي العسكري، وفي مجال الاقتصاد. ولروسيا موقف ورؤية واضحة من الحرب الأوكرانية تضليلا والتي هي أمريكية غربية لوجستية وعسكرية وغرب أوكرانية عبر العاصمة "كييف" ونظامها السياسي والتيار البنديري المتطرفين .
ليس صحيحا اعتقاد أمريكا بأن روسيا اخترقت القانون الدولي بدخولها الى وسط الاراضي الاوكرانية وبأنها محتلة لها ، و تقود الغرب لنفس الاعتقاد ، وحري بأمريكا أن تقرأ مادة ميثاق الأمم المتحدة رقم 751 التي تسمح للدولة المعتدى على سيادتها الدفاع عن نفسها ، ولدى روسيا اعتقاد جازم بأنها تعرضت و لا تزال لمؤامرة كبيرة و طويلة المدى في موضوع " الحرب الأوكرانية " التي بدأت شرارتها الأولى من وسط الثورات البرتقالية الأوكرانية ( الاصلاحية) عام 2007 ،ومن فوهة بركان انقلاب " كييف " الدموي عام 2014 الذي استهدف اجتثاث الحضور الروسي من أوكرانيا من خلال اسقاط حكم الرئيس الأوكراني فيكتور يونوكوفيج ، وهو الذي حصل فعلا .
وتم استغلال شخصية الرئيس فلاديمير زيلينسكي و تشجيعه على رفض اتفاقية " مينسك " الضامنة لسيادة أوكرانيا و لحسن الجوار و الحيادية مع روسيا ، و لتمتين العلاقات الروسية – الأوكرانية – الغربية ، خاصة و أن الغرب اشترك فيها مباشرة مثل ( فرنسا ، و المانيا ) ، و تشجيع الرئيس الأسبق بيترو باراشينكا على التباطوء في تنفيذ الاتفاقية ذاتها ، الى جانب الدور الايجابي لبيلاروسيا بطبيعة الحال ، الحليف الاستراتيجي لروسيا وخط الدفاع النووي الأول عنها . ومنحت بريطانيا – بوريس جونسون الضوء الأخضر لنظام (كييف ) لدخول حرب شعبية طويلة المدى طالت الأوكران و الروس معا ، استمرت ثماني سنوات راح ضحيتها أكثر من 14 الفا من سكان شرق أوكرانيا ، وتم تشريد غيرهم . و تم استبدال السلام بالحرب مع روسيا أيضا ،و لتصبح طويلة المدى ، و تنتهج الإستنزاف عبر المال و السلاح الذي قارب مقداره ثلاثمائة مليار دولار . وشخصيا صدر لي كتابا حولها عام 2023 بعنوان " الحرب الروسية – الأوكرانية ومع الناتو بالوكالة التي يراد لها أن لا تنتهي " .
ناهيكم عن انتاج قنبلتين نوويتين في غرب أوكرانيا و بتشجيع غربي – أمريكي ، و التطاول على خط الغاز " نورد ستريم 2 " ، " جسر القرم " ، وعلى عدد من المدن الروسية بما في ذلك العاصمة موسكو . و أول خطوة استباقية اتخذها الروس كانت بضم " القرم " و نجحت ، و حمت الاسطول الروسي النووي ، و حركت صناديق الاقتراع في أقاليم خمسة هي ( القرم ، و لوغانسك و دونيتسك " الدونباس " ، و زاباروجا و خيرسون ، ثم حررتها بقوة عمليتها العسكرية الخاصة 2022 / 2024 ، واعتمدت على الاحقية التاريخية ، وعلى ميثاق الأمم المتحدة ، و على اتفاقية تفكيك الاتحاد السوفيتي لعام 1991 . و تواصل روسيا تحرير المزيد من الاراضي الأوكرانية التي تعتبرها روسية الأصل .و لا تقبل روسيا المنتصرة الا بسلام الأمر الواقع و باتفاقية ماقبل عام 2022 و حيادية أوكرانيا .
و لروسيا موقفا واضحا و شجاعا من القضية الفلسطينية ، ومن حرب غزة 2023/2024 ، فهي كانت و لازالت تطالب علنا بالدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية الى جانب إسرائيل ، وبادرت عبر مجلس الأمن بطلب وقف اطلاق النار بين الفلسطينيين و الإسرائيليين ، و لم تتفهم في المقابل عبر خارجيتها مهاجمة حماس لإسرائيل في السابع من أكتوبر ، لكنها استقبلتها و الفصائل الفلسطينية بصفة حركات تحرر عربية ،وأدانت حرب الإبادة الإسرائيلية التي وصل رقمها الى أكثر من 35 الفا من الشهداء الأطفال و النساء و الشيوخ ، و قدمت و لا تزال تقدم المساعدات الإنسانية و الطبية بمشاركة جمهورية الشيشان . و معرض لخردة السلاح الغربي في موسكو الذي استخدم في الحرب الأوكرانية . و خطابان للرئيس فلاديمير بوتين في حفل تنصيبه بتاريخ 7 / أيار / 2024 ،و في احتفالية النصر على النازية الألمانية و العرض العسكري 9/ أيار منه كرستا الاهتمام بالانفتاح على العالم و بناء عالم متعدد الاقطاب ، وبجاهزية القوة النووية الرادعة التي تحتل الرقم 1 ، و بأهمية التطور ولو بخطوة . و تبوء روسي للمرتبة الاقتصادية الأولى على مستوى اقتصاد أسيا .
ويقابل ذلك الموقف الأمريكي و الغربي السلبي من الحرب الأوكرانية غير الباحث عن السلام العادل بينهما حتى في المؤتمرات العالمية مثل ( ميونيخ ، و السعودية ، ولوسرن السويسرية ) ، و التي انعقدت و سوف تواصل انعقادها من دون دعوة روسيا الطرف الأساس في الحرب و السلام . و حديث الرئيس الأمريكي جو بايدن لقناة الحرة في واشنطن بتاريخ 8/ أذار / 2024 ملفت للنظر حيث ركز على المزيد من الدعم العسكري لأوكرانيا ، و يقصد غرب أوكرانيا – كييف لأن شرقها بيد الروس حاليا ، و يستهدف الرئيس بوتين في خطابه مباشرة ، و يقول بأن بوتين في أوكرانيا يتقدم و يزرع الفوضى في جميع أنحاء أوروبا ، و بأن بوتين لن يتوقف عند حدود أوكرانيا . ويعلن عدم وجود قوات أمريكية في أوكرانيا ، و انتقد منافسه الأنتخابي دونالد ترمب الذي دعا بوتين ليفعل ما يشاء في دول ( الناتو) اذا لم يدفعوا الرسوم المستحقة عليهم . انتهى الاقتباس .
وتعليقي هنا هو بأن أمريكا بالذات هي من أشاعت منذ البداية وبقوة جهازها اللوجستي وعبر منصات السياسة ، بأن روسيا راغبة بالتغول على أوروبا و نشرت الفوبيا وسطهم بهدف توسيع شبكة حلف ( الناتو ) المعادي لها ، علما بأن روسيا – بوتين بادرت عام 2000 للإنضمام للناتو و لبناء شبكة دفاع مشتركة مع أمريكا و أوروبا .و بالمناسبة كلما اعتقدت أمريكا – بايدن بأن حلفها العسكري أصبح اقوى ، كلما أصبحت روسيا وحلفها من الدول المستقلة تصبح أقوى . وعلى صعيد الحرب في غزة و القضية الفلسطينية عموما راوغت أمريكا حولهما طويلا ، و أعاقت قيام دولة فلسطين بعاصمتها القدس الشرقية ، و عرقلت وقف اطلاق النار في غزة ، وهو الأمر الذي رفع عدد شهداء فلسطين الى الضعف ، وها هي رفح مهددة بمجزة إسرائيلية جديدية ، ومندوب إسرائيل في الأمم المتحدة يمزق ميثاق الأمم المتحدة احتجاجا على التوجه للاعتراف بعضوية الدولة الفلسطينية . و دور ناجح مقدر لجلالة الملك عبد الله الثاني حفظه الله بإقناع الأدارة الأمريكية بعدم تقديم السلاح شديد الأنفجار لإسرائيل نقله الينا سعادة العين الدكتور إبراهيم البدور بتاريخ 9/ 05 / 2024 .
وفي الختام هنا و حتى لا أطيل عليكم فان سعير سباق التسلح و الحرب الباردة باق بين الغرب الأمريكي و روسيا الاتحادية مادام احادية القطب لم يتحول بعد بالكامل لتعددية الاقطاب.