رسمياً أعلنت الولايات المتحدة أن ما بات يُعرَف بـ"ميناء بايدن" العائم, (كون الرئيس الأميركي هو الذي أعلنَ في آذار الماضي, خلال خطابه السنوي عن حال الأمة, "مبادرته" المُثيرة للشكوك هذه).... بات جاهزاً.
رغم أن الميناء العائم هذا, لن يبدأ مهمته المُعلنة مباشرة, ليس فقط لأنه ما يزال يقبع في ميناء أسدود الصهيوني, الذي لا يبعد عن موقع إنشاء الميناء الأميركي, المشكوك في دوافعه "الإنسانية" المُعلنة سوى كيلومترات محدودات, بقدر ما هو غيرعملي ولن يكون قادراً على سد النقص الكارثي في المساعدات الإنسانية خاصة الغذائية, التي يحتاجها أهالي مُحافظتي مدينة غزة وشمال غزة على التوالي, ما بالك نزولاً نحو محافظات وسط القطاع الفلسطيني المنكوب وجنوبه. في ظل التحذيرات التي لا تتوقف, عن مجاعة مُتدحرجة تكاد تشمل أنحاء القطاع كافة, خاصة بعد إغلاق جيش الفاشية الصهيونية معبر رفح, بما هو البوابة الرئيسية لدخول الشاحنات, فضلاً عن المساعدات "الصحية", إذ حذّرت فيها منظمة الصحة العالمية بأن إغلاق المعبر "يحول دون إدخال مساعدات كهذه إلى مشافي القطاع". (راجَ مؤخراً ان إتفاقاً أميركياً صهيونياً أبرمَ مؤخراً, سيتم بموجبه "تسليم" معبر رفح ولفترة لا تقل عن 7 ـ 10 سنوات, إلى شركة "أمنِية" أميركية, معظم قادتها وأفرادها هم من "مُتقاعدي" قوات المارينز الأميركيين.
علماً أن ميناء بايدن الذي إحتاج بناؤه إلى عشرات بل مئات آلاف الأطنان من ركام بنايات ومنازل مدينة غزة كونها الأقرب إليه, وقيل أن الهدف من بنائه هو "تسريع تدفّق المساعدات الإنسانية للقطاع", لن يستطيع توفير سوى90 شاحنة يومياً في (المرحلة الأولى), وبعد ذلك لن تزيد عن 150 شاحنة يومياً. في وقت يحتاج القطاع بعد حرب الإبادة الصهيوأميركية المتمادية فصولاً وحشية منذ سبعة أشهر, أزيد من 650 شاحنة يومياً, بعد أن كانت تدخل 500 شاحنة يومياً قبل هذه الحرب الصهيونية الإمبريالية.
ماذا عن التفاصيل التي يكمن "شيطان" الشراكة الأميركية/الصهيونية فيها؟.
زعم مجرم الحرب/نتنياهو أنه هو صاحب "فكرة" الميناء العائم هذا, عندما طرحَها في تشرين الأول الماضي. أما وزير الحرب/يوآف غالنت فقال: إن وجود هذا الميناء سيُسرّع في إطاحة حركة حماس, كون المساعدات ستصل إلى السكان مباشرة وليس عن طريق الحركة. كما قدّر بعض الخبراء ان تكلفة إقامة الميناء لن تزيد عن 35 مليون دولار, فيما زعمت إدارة بايدن ان كلفته وصلت الى 320 مليون دولار(أي عشرة أضعاف التقديرات), ما يثير المزيد من الشكوك في إمكانية "تفكيكه" لاحقاً, بعدما قيل إنه سيكون "مؤقتاً", وبروز دعوات إلى جعله ميناء دائماً, وهنا تكمن الخطورة المحمولة على أبعاد سياسية, خاصة بعد الحديث عن تسليم إدارة القطاع الفلسطيني "مؤقتاً", إلى قوات "عربية" ستتولى هذه المهمة, في مرحلة ما بعد "اليوم التالي" لإنتهاء الحرب الصهيواميركية على غزة. (بعد أن كانت تراجعتْ قليلاً قبل ذلك).
يندرج في سياق المخاوف والشكوك هذه أيضاً الكيفية التي سيتم من خلالها, نقل المساعدات ـ كما قيل رسمياً أميركياً وصهيونياً ـ إذ ستُنقل من ميناء لارنكا في قبرص, بعد أن يقوم مسؤولون صهاينة بتفتيشها، (كما يفعلون الآن في المعابر البريّة)، الأمر الذي يعني من بين أمور أخرى إحكام الحصار على كامل القطاع الفلسطيني وشعبه. زد على ذلك وهو أمر غاية في الأهمية والدلالات, أن الملياردير ورجل الأعمال "الإسرائيلي"/ياكير غاباي, هو الذي يملك امتياز تشغيل ميناء لارنكا, كونه يحمل الجنسية القبرصية أيضاً.
أين من هناك إذاً؟.
نائبة المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية/سابرينا سينغ، قالت أول أمس/الثلاثاء: أُنجزَ بناء ميناء غزة العائم بجزأيه, بانتظار نقلهما إلى الموقع المحدد قبالة غزة. مُضيفة: "اليوم لا تزال الأرصاد تتوقع رياحاً عاتية متوقعة وأمواجاً بحرية عالية، مما يتسبب بظروف غير آمنة لنقل مكوّنات الميناء العائم. لذلك لا تزال أقسام الميناء والسفن العسكرية المشاركة في بنائه في ميناء أسدود". علماً أن الجيش الأميركي أعلنَ الجمعة الماضي, أن قواته نقلت موقع بناء الميناء العائم إلى ميناء أسدود بسبب الأمواج والرياح القوية. ومتى أصبحت الأحوال الجوية مواتية سيجري نقل الميناء العائم إلى موقعه المحدد قبالة غزة.
إلى هنا تبدو الأمور لوجستية يمكن تفهمها, لكن ناطق الجيش الأميركي لفتَ إلى ان "جنود العدوالصهيوني سيتولّون تثبيت رصيفه العائم بساحل القطاع". لماذا؟. الجواب الأميركي الذي يحاول إضفاء "الحياد" المزيّف على مهمته المريبة, يقول: بهدف "إبقاء الجنود الأميركيين بعيدين من أراضيه/ يقصد قطاع غزة". بعد ذلك إستطردَ.. سيصار إلى نقل المساعدات بواسطة سفن تجارية إلى منصة عائمة قبالة سواحل غزة، لتنقل إلى سفن أصغر حجماً تتولى إيصالها إلى الرصيف الذي جرى ربطه بالساحل، وفي نهاية المطاف إلى البر، بعد تحميلها في شاحنات لتوزيعها.
في السطر الأخير.. وصفَ المقرر الأممي الخاص المعني بالحق في الغذاء/مايكل فخري, إقتراح بناء الميناء, بأنه "خبيث" وجاء استجابة لمصالح إنتخابية، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة "تُقدّم في الوقت نفسه, قنابل وذخائر ودعماً مالياً لإسرائيل".