الكتابة عن شخصيات اقتصادية أو سياسية وازنة لها بصمات، تعني بالضرورة الكتابة عن حقبة من التحولات السياسية والاقتصادية التي مر بها هؤلاء بنجاحاتها وإخفاقاتها ومرت بها معهم البلاد، فما يبقى في نهاية المطاف هي التجربة المتوارثة وهي لا تتقاعد إن اتفقنا على أن التقاعد هو تصنيف وظيفي لا أكثر ولا أقل.
لذلك ليس مستغربا بل أنه كان محببا على الدوام أن نشجع هؤلاء الذين يشكلون مع آخرين خزان تجارب تحتاجها البلاد والاجيال المتعاقبة على تسجيل مذكراتهم التي تضم تجاربهم في مسيرة عملهم سواء كانوا من السياسيين أو الاقتصاديين من الشخصيات العامة.
اعتدنا على الكتابة عن شخصيات عامة بعد رحيلها وهي عادة سيئة إذ يحق لهؤلاء أن نكتب عن تجربتهم في مناسبات عديدة ترتبط بإنجاز ما أو عندما يختارون الراحة تحت تصنيف التقاعد.
قبل أسابيع قليلة شهد القطاع المصرفي حدثا متوقعا فقد اختار الاقتصادي عصام السلفيتي الرئيس المؤسس لبنك الاتحاد ولعدد كبير من الشركات والمشاريع الاقتصادية على امتداد حياته، الراحة الطوعية وتحت تصنيف التقاعد، لكنه لم يغفل ولا يجب أن نغفل أن عددا كبيرا ممن اختاروا ذات الطريق من رجالات البلد من الاقتصاديين والسياسيين لا يتقاعدون طالما أن تجاربهم ما زالت ماثلة يستفيد منها من خلفوهم، وإن كنا نعتقد أن لكل جيل تجربته الخاصة التي يجب أن يبنيها، لكن على قواعد من جذور بنيت جيلا بعد جيل وهي التجربة وقد قلنا سابقا ونكرر أن الشركات الكبرى في الأردن أسستها عائلات وطنية أو ما عرف لاحقا بالقطاع الخاص عندما لم يكن للقطاع العام القدرة المالية والخبرة العملية للقيام بهذه المهمة.
السلفيتي صاحب تجربة ثرية وناجحة لم تكن طريقه مرصوفة بالعسل ومثل غيره واجه أعاصير واخفاقات صنعت بظني نجاحات وكما يقال الطريق تزداد قوة تحت الضغط وهكذا كان عندما بدأ مع البنك لكنه قبل ذلك كان في مرحلة البناء مثل كل الاقتصاديين الأردنيين الذين كبروا مع المؤسسات والأعمال التي بدأت معهم، ولا شك أن بنك الاتحاد الذي تأسس عام 1987 كشركة مساهمة عامة تحت اسم «المؤسسة المالية العربية»، قبل أن يصبح «بنك الاتحاد» في عام 2011، هو اليوم مؤسسة مالية كبيرة مثل كل الشركات التي بنيت بايدي العائلات الأردنية العريقة.
لا نريد أن نتحدث كثيرا عن البنك فالنتائج هي ما تتحدث عن اداء الشركات في نجاحاتها واخفاقاتها.
تجربة السلفيتي ومثلها تجارب عدد آخر من الشخصيات الاقتصادية التي خاطرت في مراحل البناء الأول ووجدت الدعم بالقدر ذاته الذي واجهت فيه خيبات الأمل لا ينبغي لها أن تتقاعد.
درجت الجامعات العريقة في العالم على أن تستضيف شخصيات سياسية واقتصادية اختاروا التقاعد لسرد تجاربهم كجزء من المناهج التعليمية، لأن التجربة ليست فقط غنية بالخبرات بل لأنها أيضا في كثير من الأحيان تظهر الفوارق بين نظريات الكتب وخبرات العمل، أحب شخصيا أن أشاهد هذه السنة المفيدة وقد أخذت مكانتها في جامعاتنا.
يبقى أن نعترف بأن الشركات العائلية ليست عيباً، وأكثرها ناجح، وهناك بنوك عالمية عملاقة ُتعرف بأسماء قادتها، والأردن ليس استثناء.