تمثل الأسرة اللّبنة الأساسية في المجتمع، ومن أهم ركائزها الرغبة الطبيعية والإنسانية في تكوين أسرة وإنجاب الأطفال ويكفل ذلك تعاليم شرعنا الحنيف؛ ومع ذلك، فإن هناك قسماً من الأزواج يواجهون صعوبات في تحقيق هذا الحلم الذي يراود الكثيرين، أولئك الذين لا يستطيعون الإنجاب بطرق طبيعية.
يعيش هؤلاء الأزواج تجربة حياتية صعبة، حيث يعانون من شعور بالحرمان والألم العميق نتيجة عدم قدرتهم على الإنجاب، وما يزيد من هذه المعاناة نظرة المجتمع القاسية من الصاق التهم لأحد الأطراف وكأنها جريمة؛ متجاهلين الحكمة الإلهية من جهة، وتطور العلم الحديث فيما يعرف بتقنيات الإخصاب المساعد؛ وتتعاظم المعاناة نفسياً عندما يصيح الزوجين والدموع تحرق القلوب والعيون " نفسنا بطفل ينادينا بابا .. ماما " ولسان حالهم يقول.. نحن فقراء.. نعم ولكن أليس من حقنا الإنساني ان نحصل على تجربة الأبوة أو الأمومة والتي لا تُقدَّر بثمن، فهو ليس مجرد حق دستوري كدافعي ضرائب (على أساس ان الموضوع خدمة علاجية لا ترفاً)، بل هو حق إنساني أساسي يجب احترامه وتوفير الفرص لتحقيقه.
من هنا، تأتي أهمية التدخل الحكومي وتوفير الدعم لهؤلاء الأزواج عبر توفير تقنيات الإخصاب المساعد مثل عملية "أطفال الأنابيب" فهذه التقنية ليست مجرد وسيلة للإنجاب؛ وليست ترفاً أو تجميلاً بل هي فرصة للأزواج المحرومين لتحقيق حلمهم في تكوين أُسرة والاستمتاع بتجربة الأبوة والأمومة.
وهنا أيضاً؛ لا ننكر دور وزارة الصحة بتوفير ابر التفجير (كما هو متعارف عليها) والمكملات والعلاجات الازمة الممكن توفيرها من أجل تحفيز المبايض؛ وعلاج المشاكل المتعلقة بالإنجاب؛ بعد توثيق حالة الأزواج المرضية من خلال الوثائق الرسمية، ولكن هذا الدور منقوص رغم توفر الأدوات الكاملة لإنجاحه على مستوى المنطقة ويكون الأردن مميز بتقديم هذه الخدمة الإنسانية لمواطنيه في مؤسسات الصحة - القطاع العام؛ بدلاً عن استفراد القطاع الخاص بهذه الشريحة مع الاحترام للأطباء الانسانيين في القطاع الخاص الذين يراعون الله في حالة الأزواج الانسانية والاقتصادية.
في عام 2002 تم تأسيس شعبة المساعدة علی الانجاب بمستشفى الملك المؤسس عبد الله الجامعي، واستقبلت الشعبة اعداد هائلة من المراجعين منذ تأسيسها، وفي عام 2015 تم تحويل الشعبة إلى مركز وسمي بمركز المساعدة على الإنجاب؛ وبات الان مركزا متميزا وأحد أفضل مراكز المساعدة على الانجاب في الأردن لقدرته في توفير أحدث علاجات اطفال الانابيب والاستفادة من التكنولوجيا الحديثة بما في ذلك الحقن المجهري؛ لتقديم أفضل خدمة ممكنه للأزواج الذين يعانون من صعوبة في الانجاب والتوصل بالتالي الى أرقي مستويات النجاح.
وفي عام 2003 تأسست وحدة الإخصاب والمساعدة على الحمل في مستشفى الجامعة الأردنية وهي من المراكز المتخصصة والمتطورة في هذا المجال على مستوى المملكة نظراً لإتباعها أحدث الأسس العلمية والتقنيات الطبية الحديثة وذلك بدعم من فريق طبي وتمريضي وإداري وعلماء أجنة ذوي كفاءة عالية وخبرة في هذا المجال.
وفي الحديث عن مركز المساعدة على الإنجاب في مستشفى الملك المؤسس الجامعي ، و وحدة الإخصاب والمساعدة على الحمل في مستشفى الجامعة الأردنية ؛ نتحدث عن خبرة تجاوزت العشرون عام منذ تأسيس كليهما؛ هذه الخبرة تأهل المركز والوحدة لتقديم دورات متقدمة لتدريب من يريد من أطباء القطاع العام من اختصاص النسائية والتوليد لتقديم خدمات طبية عالية الجودة في مجال الاخصاب المساعد، مما يساهم في تلبية احتياجات الأزواج الذين يعانون من مشاكل الإنجاب وتحقيق أفضل النتائج بالنسبة لهم.
لكل ما سبق سلطنا الضوء على المشكلة وطريقة توفير كوادر مؤهلة للمساهمة في الحل؛ والآن اسعى لتقديم طريقة لتحويل المشكلة الى مصدر دخل استثماري يمكن الاستفادة منه بتقديم خدمة للمواطنين من قِبَل القطاع الصحي المدني العام، وفي نفس الوقت توفير عائد للمستثمر والمؤسسة الحكومية كمسؤول رسمي عن تقديم الخدمات الصحية في المملكة.
الحل يكمن في استحداث مديرية مركز الاخصاب والأجنة وعلاج العقم في وزارة الصحة ويكون مقره مستشفيات البشير ولأسباب عدة؛ وفرة الكوادر الطبية بالإضافة الى وجود مباني تم تفريغها؛ إضافة الى ان وزارة الصحة تقدم بعض العلاجات للمرضى الذين يعانون من العقم.
فبدلاً من الحصول على العلاجات من وزارة الصحة والانتقال للقطاع الخاص على حساب المريض ويضطر لبيع ذهب زوجته وسيارته وارضه (ان كان يملك ارض او سيارة) او يلجئ للقروض البنكية او بيع عضو من جسده لإتمام تكاليف العلاج لدى القطاع الخاص؛ فلماذا لا يتم عرض المشكلة على صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي؛ والأخير يقوم بالاستثمار في هذا المركز خاصة وان المباني متوفرة فكل ما عليه هو إعادة ترميم احدى هذه المباني وتوسعتها وتوفير المعدات الطبية التقنية الحديثة لهذه الحالات؛ وتوفير أسرّة الخداج للأطفال، وبدلاً من ان تتقاضى مستشفيات البشير مبالغ كبيرة كما يفعل القطاع الخاص تكتفي بثلث المبلغ مع التأمين الصحي؛ ويبقى القطاع الخاص للسياحة العلاجية وتتميز الحكومة ممثلة بوزارة الصحة بأنها توفر ثلثي المبلغ على المواطنين الذين يعانون الأمرّين من اجل شعور الأبوة والأمومة؛ فمن الذي يمنع وجود مركز الاخصاب والأجنة وعلاج العقم في وزارة الصحة؟
ان توفير فرص الإنجاب للأزواج العقيمين يُعَدّ من الحقوق الأساسية التي ينبغي ضمانها لكل فرد في المجتمع، وهو حق إنساني أساسي يجب احترامه ودعمه؛ فالمواطن المحروم من هذه الفرصة يعيش حياة ناقصة، وقد يؤثر هذا الشعور بالنقص على حياته النفسية والاجتماعية؛ ومن الجدير بالذكر أن المواطن الذي يعيش تحت رعاية الدولة ويدفع الضرائب، يجب أن يحظى بحقه الطبيعي في تجربة الأبوة أو الأمومة، وهذا يشمل حقه في الاستفادة من العلاج بتقنيات الإخصاب المساعد على حساب الحكومة التي يدفع لها ما يتوجب عليه من ضرائب.
نأمل من الحكومة من خلال وزارة الصحة أن تتخذ خطوات حاسمة لتعزيز دورها في دعم هؤلاء الأزواج وتحقيق حلمهم في تكوين أسرة؛ وعلينا ألّا ننسى أنّ كلّ طفل يولد شعلة أمل تُنير دروب الحياة، وصوتاً جديداً يملأ الدنيا بهجة وسعادة.
الله ثم الوطن والملك من وراء القصد.