انتخابات نواب الأردن 2024 أخبار الأردن اقتصاديات جامعات دوليات وفيات برلمانيات وظائف للأردنيين أحزاب رياضة مقالات مقالات مختارة مناسبات شهادة جاهات واعراس الموقف مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة

الغويري يكتب: أنا مِنْ جيل..

مدار الساعة ـ نشر في 2024/04/30 الساعة 09:43
مدار الساعة,مناسبات أردنية,كأس العالم
مدار الساعة - كتب: عبدالله محمد الغويري - أنا من جِيل اشتمَّ عبق رائحة خبز (الشّْراك) وهو يتلوَّى بين يَديّْ الجدَّات - وكيف يتقلَّبُ ببركةٍ على صاج ساخن تجمَّرت تحته (قُرْمِيْات) من البلوط اليابس. مِنْ جيل كان ينامُ على قِصص الأمِّ عن عالم الجنِّ والغُول والغوريلا ومغامرات الأسلاف .. مِنْ جيل تذوقَ طعم (لِزّيقِيْات العِيد) ونبات الدّرِيْهمة والبُرِّيْد والكعوب - واستطاع تميز رائحة البابونج ورِجل الحَمامة والشِّيْح والميرمية والزعتر البري والكزبرة والدحنون والغيْصلان.
أنا مِنْ جيل كان ينتظر حفلات الأعراس من السَّنة إلى السَّنة.. مِنْ جيل كان يقرأ كرت دعوة العُرس خمسين مرة من شِدَّة الفرحِ ويعيش كل يوم فيها وكأنَّهُ قَرن كامل.. مِنْ جيل كان لا يُبالي عندما يشرب مع الجميع من كأس زجاجية (واحدة) - من (ثيرمس ماء بارد) تهافتَ عليه الرِّجال والأطفال - بعد جولة (الدِّحْيّة) أو رقصة (الجُوفِيّة) في الأعراس.. مِنْ جيل كان يقيس بالشِّبِر مساحة قالب الثلج الغائص في بِرميل الماء في صَيْف تلك الحفلاتِ ويُنصِتُ بخشوعٍ لصوت طرطقة كاسات الشاي في تلك البراميل.
مِنْ جيل يُقَدِّر القِيمة الإقتصادية والغذائية لسدر (الحلو والحَلقوم والفُزدق بْقِشْره) وهو يتَنقَّل بين الحاضرينَ في ليالي تلكَ الأعراس.. مِنْ جيل كان يجمع بعض الطَّلَقَات الساخنة - الساقطة على الأرض من (المُسدَّسات والكَلَشْنات و M16) - عند انطلاق الفاردة أو أثناء سهرة الشيوخ والشباب.. مِنْ جيل تورمت فروة رأسهِ من تساقط حَبَّات (ملبَّس ناشد والتُّوفَة والحامِض حلو) - وهي تُلقى من الأُمهاتِ على جموع الشباب في زَفَّة العَرِيسِ - بين المنازل والممرات والطرقات.
أنا مِنْ جيل كان يشعر بالسعادة إذا أعطتهُ والدتهُ أحد (مَطْبَقانيَّات) حفلات الوداع في الأعراس - تلك المليئة (بالسلفانة والملَبَّس) - والمغلَّفة بالورق الشفاف.. مِنْ جيل كانت تستهويهِ زينة الأعراس الملونة وحَبْل الإنارة المتدلي كصف من النجوم - ويلفِتُ انتباهه مشهد قلب الحُبِّ الأبيض (القُطْني) وحوله أسهم بأحرف أسماء العروسَيْن على أحد الجدران .. مِنْ جيل كان يعتقد أنَّ لوج العروسَيْن هو أعلى هضبة في العالم وأقدس كيان داخل الفرحة.
أنا مِنْ جيل جَرَّبَ تدخين (عِيْدان) الملوخية المُجففة.. وكان يختبئ خلف الأسوار وعلى الأسطح حتى يدخن السجائر (الفَرْط) من أنواع (الفايسروي و LM والمالبورو والكَريم والجولد كوست) .. مِنْ (جِيل طَيِّب) كان يغسل يده في التراب ويفرك أنفه بالليمون حتى لا يتبقى أي أثر يدل على رائحة التَّبْغِ في جسدهِ وملابسهِ.
أنا مِنْ جيل يفهم أنَّ لغة الحُبِّ تحكيها العيون وتوثقها الرسائل العُذرية على ورق (الفلوسكاب) المعطَّر .. مِنْ جيل يستشعر بأنَّ ابتسامة خفيفة أو نظرة عابرة من الحبيبة تكون كفيلة بأنْ تُشعل فِيكَ فتيل المشاعر التي تحرمكَ النوم وتجعلكَ تطفو في فقاعة من الزَّهو واليَقظة..!!. أنا مِنْ جيل يعيش حالة الفقد ويعرف ثمن الموت.. مِنْ جيل يخضع لِهيبة مراسم الدفن وأيام العَزاء - ويتذكر كيف كان التلفاز يُغلق لأكثر من أربعين يوماً - حِداداً واحتراماً لِموت جار أو قريب.
أنا مِنْ جيل كان يمارس لعبة كرة القدم على وحل الساحات الطينية والأسفلت الساخن والعُشب اليابس .. مِنْ جيل كان يضطر في بعض الأوقات إلى أنْ يُكَوِّر (جرابات رديئة) ويحولها إلى (طابة) تركض حوله أكثر مما هو يركض ورائها.. مِنْ جيل لا يزال يتذكر إقصاء (مارادونا) من كأس العالم في أمريكا - بداعي تعاطي المنشطات.. مِنْ جيل يتذكر ضفيرة شعر (روبرتو باجيو).. ورأسية (زين الدين زيدان) في نهائي مونديال فرنسا.. مِنْ جيل لا يزال يحفظ أغنية (يا سعد لو تشوفه) - التي كانت تُبث في وصلات برنامج (المجلة الرياضية) كل يوم جمعة.
أنا مِنْ جيل تستهويهِ ألعاب (الأتاري) - ويعرف من هو (سوبر ماريو) وما هي متاهته.. مِنْ جيل كان يحلم بالمستقبل وهو يلتهي بأوراق (المونوبولي).. مِنْ جيل كان يلعب (بِمُقْلِيْعة المُغْيِط) والطائرة الورقية والبسكليتات وحِجارة (الزَّقْطة) والغُمْيضة والسلَّم والحيَّة والزُّقْيطة والخرِيطة والقْلُول والسبع حجار... مِنْ جيل كان يشارك في التلقيط الجماعي للملوخية بين الأقارب والجِيران.. مِنْ جيل كان يقطع الجبال والسهول رفقة الأغنام والماعِز تحت قَيْظِ الصيف وزمهرير الشتاء.
أنا مِنْ جيل يستحضر أفلام الكرتون أكثر من مشاهدتها.. مِنْ جيل كان يتعاطف مع ساندي بل .. ويترقب الشجعان الثلاثة.. ويتحمَّس مع الكابتن ماجد.. ويركض مع عدنان ويدخن مثل عبسي.. وتدهشه السيدة ملعقة.. وينام مع سِينان.. ويغامِر مثل ماوكلي.. ويحزن أكثر من سالي.. ويغوص أعمق من الحوت الأبيض.. ويشاكس مثل توم سوير.. ويطارِد بيل وسبستيان...ويستفيد من المناهل وأبي الحروف.. ويصبح مفترس وأليف بسبب مخلص صديق الحيوان.. ويتقلَّص ويتمدد مع صاحب الظل الطويل..!!.
أنا مِنْ جيل صار جسده هنا وروحهُ لا تزال هناك.. مِنْ جيل فقد بوصلته ولم يعد يدري هل هو مع هؤلاء أم مع هؤلاء.. مِنْ جيل قلبه قديم.. وعقلهُ معاصر.. ووجدانهُ وحيد.. ومشاعرهُ عتيقة.. وأحاسيسهُ بالية.. مِنْ جيل لا يزال يرفع رأسه للسماء.. ويفرد أصابعه لشعاع الشمس.. ويُلَوِّح بعينهِ صوب أسراب طائر (أبو سَعْدْ) - التي لم تعد ترجع مثلما كانت - ويقول لنفسهِ: أنا لست مِنْ هنا...لست مِنْ هنا.. أنا فقط من هناك..!!.
مدار الساعة ـ نشر في 2024/04/30 الساعة 09:43