الثلاثاء الماضي زعَمَ الرئيس الأميركي/بايدن, أن العالم سيفقِد «قائدهS, إذا غادرتْ الولايات المتحدة المسرح العالمي. ما عكس من بين أمور أخرى, حال الإنكار التي تعيشها النُخب السياسية, التشريعية والحزبية الأميركية, أضف إليها بالطبع المُجمع الصناعي العسكري ومراكز الفكر والبحث والأكاديميا, التي تحدثت عن «نهاية التاريخ» مُبشّرِة بصراع الحضارات.
وإذ لم تعد مثل هذه السردية المُتهافتة, المُتكئة على أكذوبة «الإستثنائية الأميركيةS, تجد قبولاً لدى معظم دول المعمورة, بدلالة التراجع المُتدحرج في الدور الأميركي العالمي, والإنحسار الملحوظ في الهيمنة الأميركية, بعد سلسلة الهزائم السياسية وخصوصاً العسكرية التي مُنيت بها الولايات المتحدة منذ بداية هذا القرن (آخرها في أفغانستان/ آب 2021), فإن ما خرج به على العالم الكاتب المعروف وأحد أشد المؤيدين لدولة العدو الصهيوني, في صحيفة «واشنطن بوست»، ديفيد إغناطيوس، استناداً إلى تقرير جديد صادر عن مؤسسة «راند» البحثية. قائلاً في مقالته الأسبوعية: إن الولايات المتحدة تسير نحو «السقوط» لافتاً إلى أن «أنها ربما تقترِب من انحدارٍ, لم يتعافَ منه سوى القليل من القوى العظمى»، مُضيفاً.. أن الولايات المتحدة «ليس لديها حتى الآن فهم مُشترك للمشكلة وكيفية حلّها». مُشيراً إلى أن «القدرة التنافسية للولايات المتحدة مُهدّدة على الصعيدين المحلي والدولي».
وكما دحضت وقائع سنوات العقدين الأخيرين من القرن الـ«21», المزاعم الأميركية, بل أضاءت على سلسلة من الإخفاقات والهزائم التي لحِقت بالولايات المتحدة, رغم إستغلالها أحداث الحادي عشر من أيلول 2001, لشنّ الحروب وعسكرة العلاقات الدولية, ورفع شعار «مَن ليس معنا فهو ضدنا», تحت طائلة العقوبات والحصار, بعد الإتهام بالإرهاب أو دعم المنظمات الإرهابية, فإن إغناطيوس «حذّرِ من أنه إذا «لم يتمكّن الأميركيون من العثور على قادة جُدد والاتفاق على حلول تناسب الجميع، فسوف تنهار الولايات المتحدة، وسوف تدخل في «دوامة هبوطية»، حيث «نادراً ما تمكّنت القوى العظمى في الماضي من عكس هذا الاتجاه, أي من إعادة الصعود. مُتوقفاً عند الوضع السياسي الداخلي, الذي وصفَه بأنه «مُتوتر وفي حال استقطاب تمر بها الولايات المتحدة، فضلاً عن المنافسة الشديدة التي تواجهها من قبل الصين، وكذلك أزمة الإنفاق الحكومي التي باتت تتكرر. فقد تجاوز ـ أضاف إغناطيوس ـ إجمالي الدين الأميركي للحكومة الفيدرالية 34 تريليون دولار، وهو رقم قياسي يُنذر بالتحديات السياسية والاقتصادية التي ستواجهها الإدارة الأميركية في الأعوام المقبلة». (انتهى الإقتباس عن إغناطيوس).
ماذا يقول صندوق النقد الدولي عن المديونية الأميركية الترِليونِية؟
حذّرَ صندوق النقد الدولي، في تقريره للمراقبة المالية يوم 17 نيسان الجاري، من أن ديون الولايات المتحدة و(الصين) تشكلان خطراً على المالية العالمية. إذ يخلق «الإنفاق الأميركي» مشكلات للعديد من البلدان الأخرى من خلال إبقاء أسعار الفائدة «مرتفعة». مُشيراً إلى أن ارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة, يجعل الحياة صعبة بالنسبة للعديد من البلدان من خلال تعزيز قيمة الدولار مقابل العملات الأخرى، وجعل السلع المُسعّرة بالدولار أكثر تكلفة, وزيادة أعباء الديون على البلدان التي اقترضت بالعملة الأميركية. ليس هذا فحسب بل يتوقع صندوق النقد الدولي أن يتجاوز الدين العام الأميركي في العام الجاري, مستوى 123% من حجم الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة. على أن يُواصل «النمو» في السنوات المقبلة ليصل إلى مستوى 134% في العام 2029.
ماذا عن تحالفات الولايات المتحدة في ظل العسكرة الزاحفة التي فرضتها على العالم أجمع؟.
ذات يوم قال مستشار الأمن القومي الأميركي في عهد الرئيس الأسبق/جيمي كارتر, أن روسيا مع أوكرانيا تكون «إمبراطورية», أما بدونها فلا تعدو كونها دولة «عادية». ماذا لو عكسنا المقولة وتساءلنا, ماذا تساوي الولايات المتحدة بدون أوروبا.. في عالم اليوم؟. أقصد عالم ما بعد الحرب الباردة؟. وإذ ليس المقصود من السؤال الإستخفاف بالإمبراطورية الأميركية في حالها الراهنة, بقدر الإشارة إلى أن ساكِني البيت الأبيض منذ بوش الأب حتى جو بايدن, لم يُغادروا عقلية الحرب الباردة, ومضوا بحماسة إمبريالية في سياساتهم العدوانية التوسعية, على نحو لم يروموا فقط تحجيم أو إحتواء وتقسيم روسيا وحدها, بل فرض الهيمنة حدود الإستتباع الكامل على أوروبا «الغربية والشرقية/ الإشتراكية السابقة, (خاصة عبر توسيع حلف الشر المُسمَّى/حلف الناتو, باعتباره الحامي لأوروبا من «أطماع» بوتين). ما أثار مخاوف العديد من قادة دول الاتحاد الأوروبي, الذين رفعوا عقيرتهم مؤخراً على نحو غير مسبوق.
إذ دعا الرئيس الفرنسي/ماكرون قبل يومين ومن جامعة السوربون, أوروبا لـِ(وضع استراتيجية دفاعية «ذات مصداقية» من شأنها أن تجعل القارة أقل اعتماداً على الولايات المتحدة). فيما أصداء تصريحات رئيس المجلس الأوروبي/شارل ميشيل، لصحيفة «بوليتيكو» الأميركية, بأنّ «الاتحاد الأوروبي لا يُمكنه أن يتبعَ واشنطن بشكل أعمى ومنهجي", ما تزال تتردّد في جنبات المشهد الأوروبي المأزوم.