خلق البعض عمدا او دون قصد، حالة شرخ داخل المجتمع الأردني، عندما خيرهم بين الأردن والقضية الفلسطينية او ما يجري لقطاع غزة من حرب وابادة جماعية.
في حين أن البعض اخذ منحى اخر واتجاها مغايرا، عندما وضع خيارين على الطاولة وعليك أن تختار أحدهما فقط، اما ابيض او اسود.
اما ان تكون اردنيا وهذا يعني من وجهة نظرهم أن تتخلى عن فلسطين وتسقط قضيتهم من حساباتك وان تصبح في ذيل الاهتمام، وكأنه عندما تكون اردنيا فهذا خيانة لفلسطين وقضيتهم، متناسين بأن الهوية الأردنية هي الوحيدة في الوطن العربي لم تتحدد او تتشكل لأنها كانت وما زالت عربية قومية وجميع قضايا الأمة هي قضايا وطنية بالنسبة للأردنيين.
فحالة الشرخ والتعبئة التي مارسها البعض ردا على دعوات او تصحيح لبعض المسارات وفي احيان كثيرة تشخيص لواقع او تبعا لتفسيرات وتحليلات تترجم اجندات شخصية او حالات مرضية لدى فئة قليلة، دخلت إلى حالة الوعي واندمجت مع التفكير لكثرة التكرار.
مما شكل حالة نقاشية وخلق وضعا اصطفافيا، لم تكن موجودة من قبل، وما كانت لتخضر بيننا الان، لولا ممارسات البعض وتحشيد آخرين، التي انتجت ردود أفعال لدى البعض لن تفيد فلسطين ولن تنفع غزة ولن تخدم الأردن.
وكأننا كاردنيين او فلسطينيين تنقصنا حالة التشتت والتعبئة في هذا الوقت التي تشتد به ازماتنا وتتكاثر فيه الصعوبات، وتتراكم امامنا التحديات ونحن نراها، ونتنبأ بها من كل اتجاه، فالجميع من حولنا يتربص بنا وينتظر حتى يحل معضتله، او المهمة التي أمامه الان، حتى يتفرغ لما بعدها، وانظاره تتجه اما للأردن او للأراضي المحتلة لتهجير أهلها إلى الأردن أيضا.
فمن أين ومتى يبدأ سنكون الطرفين مستهدفين وفي عين العاصفة وقلبها جنبنا الله كل سوء.
لتأتي هذه التعبئة ومواقف البعض وحصرها بين خيارين لا ثالث لهما بسوق لا يخلو من التخوين وكيل التهم، بعد ان انساق وراء هذه الحالة أناس جرتهم اما العصبية او حالة الاستفزاز، دون ادراك لخطورة الانجرار وعواقبه على طرفي المعادلة.
و فيما يتعلق بالهوية فمن حق الجميع او اي شخص ان يتمسك بهويته ويعتز بها اين ما كان او وجد ولا يحق لاحد تخوينه او منعه، فالهوية قضية وجودية ومن يتخلى عنها او ينساها فهو خائن لانه لا يجوز ان يتخلى الشخص عن وطنه واهله واصله.
لكن في المقابل عليه ان يحترم الآخرين وحقهم في إظهار هويتهم وممارسة حقهم في التعبير عنها والاعتزاز بها.
ومع ادراك الجميع في الأردن او من يعرف في الحالة الأردنية بأنه يوجد صعوبة في الفصل ببن الاردن وفلسطين او ان ابراز خيارا على الآخر لأسباب وظروف عديدة ومتشابكة يصعب فصلها والخوض بها يحتاج الى سلسلة من المقالات والمجلدات، لان الخيارين لا يقبلان القسمة الا على اثنين وبالتالي النتيجة واحد، ولا يمكن فصل أحدهما عن الآخر.
فعندما يتعلق الامر بفلسطين فجميعنا فلسطينيون وعند الاردن فكلنا اردنيون، وغير ذلك قد نخدم أهداف واجندات تعمل على إضعاف حبل المودة والتماسك لتحقيق مآرب اخرى، سيكون في النهاية الخاسر نحن جميعا.
فالقضية الفلسطينية متجذرة فينا منذ أن خلقنا وانجبتنا أمهاتنا على هذه الدنيا فعاشت وما زالت معنا في كل مراحلنا وسني عمرنا فلم تخل مناهجنا وكتبنا وجلساتنا واحاديثنا منها، كما لم تغب عن بالنا ساعة.
وفي كل موقف او حدث سياسي موجودة وحاضرة باعتبارها ركنا وعنصرا رئيسيا فلم تخل القضية الفلسطينية او الموقف الأردني إزاء حق الفلسطينيين باقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشريف عن أي محفل دولي نشارك فيه او خطاب سياسي او لقاء او اجتماع لجلالة الملك في الداخل او الخارج.