في كتابه الشهير: «نظام التفاهة»، يقول الكاتب الكندي (آلان دونو) إن التافهين قد حسموا المعركة لصالحهم في هذه الأيام، لقد تغير الزمن، زمن الحق والقيم؛ ذلك أن التافهين أمسكوا بكل شيء، بكل تفاهتهم وفسادهم؛ فعند غياب القيم والمبادئ الراقية، يطفو الفساد المبرمج ذوقاً وأخلاقاً وقيماً؛ إنه زمن الصعاليك الهابط.
نعم اصبحنا في زمن الخداع وانقلاب المعايير فكلما تعمق الإنسان في الإسفاف والابتذال والهبوط كلما ازداد جماهيرية وشهرة «للأسف الشديد».
إن الكثير من مواقع التواصل نجحت في ترميز التافهين، حيث صار بإمكان أي هبيلة مُعفن، أو وسيم فارغ أو صبية مكلحة ممسوخة أن يفرضوا أنفسهم على المشاهدين، عبر عدة منصات تلفزيونية عامة، وكلنا يعلم انها وفي أغلبها منصات هلامية وغير منتجة، لا تخرج لنا بأي منتج قيمي صالح لتحدي الزمن او يصنع لنا تقدم او اي انجاز ..
استنتج عالم النفس ريتشارد وايزمن، أن الناس ينفرون من الشخصيات المثالية التي لا تخطئ، ويتعاطفون مع الشخصيات التي تشبههم؛ تلك التي ترتكب الهفوات وتعترف بها دون أن تتصنع القوة المبالغ فيها، وخلص إلى أننا إذا أردنا كسب ود الناس، فعلينا أن نظهر نقاط ضعفنا وأن لا نخفي أخطاءنا ولكن ما نشاهده اليوم تجاوز كل ذلك بكثير ...
ما جعلني أتحدث عن هذا الأمر مشاهدتي لفيديو انتشر كالنار في الهشيم على أحد مواقع التواصل الاجتماعي وحقق مشاهدات مليونية، بصدق ولكي لا يقال ان حكمي ناتج عن كرهي لهكذا شخصيات أعدت الفيديو أكثر من مرة فلم أجد فيه إلا كل ابتذال ومسخرة وهراء في زمن أصبحنا نمجد فيه هكذا شخصيات للأسف الشديد...
في السابق كان المتصدرون في النشر يختارون أفضل ما عندهم من العلم والمعرفة والمعلومات ليقدموه لقرّائهم ومتابعيهم، ولهذا تجدهم قلة - بسبب عدد القادرين على التعبير عادةً - وتأثيرهم واضح، ويُشار إليهم دائماً في مجتمعاتهم الصغيرة أو الكبيرة بكل احترام وتقدير.
أما اليوم فقد أصبحت مهزلات «التفاعل» هي اللجام التي لا يرى «صناع التفاهة» غيرها وهم ينطلقون في سباق الأرقام وجمع الإعجابات والدولارات وللايكات ونشر كل أنواع التفاهات في كل مكان....
يقول أمبرتو إيكو: «إنَّ أدوات وسائل التواصل الاجتماعي تمنح حقّ الكلام لجيوش من الحمقى، الذين كانوا يتحدثون في الحانات فقط بعد تناول كأسٍ من النبيذ، من دون أن يتسبَّبوا بأيّ ضرر للمجتمع، في السابق كان يُتمّ إسكاتهم فورًا، أما الآن، فلهم الحق في الكلام، مثلما يحق الكلام للحائزين على جائزة نوبل، أو لمن قدّموا دماءهم ومالهم لوطنهم.»
باختصار إنه غزو البلهاء والحمقى لهذا العالم المتغير، فتغيرت حتى قيمه ومكانته ومصداقيته...