أصبح من الضروري الآن، أكثر من أي وقت مضى، أن تتخذ الحكومة خطوات جادة وفورية لإعادة تقييم سياساتها الإنفاقية في ظل التحديات الاقتصادية المتزايدة، فالتقديرات المالية تشير إلى أن الإيرادات قد تراجعت بمقدار 200 مليون دينار خلال الثلث الأول من هذا العام، مما يكشف عن حجم الضغوط الكبيرة التي تواجه الاقتصاد الأردني بسبب تداعيات حرب الإبادة على الأشقاء في غزة.
التراجع في الإيرادات يعتبر مؤشرا خطيرا يعكس الآثار المدمرة للحرب على غزة، التي لا يبدو لها نهاية في الأفق القريب بناءً على تقديرات الخبراء العسكريين، فالانعكاسات الاقتصادية لهذه الحرب تمتد لتشمل قطاعات حيوية عديدة بدءًا من السياحة وحتى جذب الاستثمارات، مما قد يزيد التضخم ويعمق تراجع الطلب المحلي.
الحقيقة المرة هي أن هذه الأزمة قد خلقت ظروفًا اقتصادية كبيرة تتطلب من الحكومة أن تكون أكثر حكمة وتدبيرًا في الإنفاق.
إن مواصلة النهج الإنفاقي الحالي، الذي يبدو غير متناسب مع الواقع الاقتصادي، يعد خطوة في الاتجاه الخاطئ، فالحكومة مطالبة الآن بتطبيق إجراءات تحوطية تقشفية، تشمل تخفيض النفقات بنسبة لا تقل عن 25 %، لضمان استقرار الخزينة العامة وتفادي تداعيات مالية أكثر خطورة. من غير المقبول أن تظل الحكومة تعتمد على الاستجابات التقليدية في مواجهة الأزمات، دون أن تبادر إلى تبني سياسات استباقية تتوافق مع الضروريات الاقتصادية الملحة، فالحاجة إلى الشفافية والمصارحة في التعامل مع الأوضاع المالية والخطط المستقبلية أصبحت أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى.
يجب على رئيس الوزراء أن يقود هذه الجهود بشكل فعال، معلنًا عن خطة شاملة تتضمن إجراءات لضبط وتحسين الكفاءة الإنفاقية، فالوقت ليس في صالحنا، والإجراءات التي نتخذها اليوم ستحدد مسار الاقتصاد الأردني للسنوات القادمة.
لا شك أن الطريق أمامنا مليء بالتحديات، لكن تحمل هذه الصعاب يتطلب إعادة تقييم سياسات الإنفاق وتحديد الأولويات المالية ولا يجب أن ينظر إليها كمجرد إجراءات تقشفية، بل كفرصة لبناء أساس اقتصادي مستدام.
ويتطلب هذا التحول الاقتصادي أن تكون الحكومة صارمة في قراراتها، ويجب عليها تجاوز النمطية في الإدارة المالية والانتقال إلى نهج يحقق أقصى استفادة من كل دينار يتم إنفاقه، فالاستثمار في القطاعات الإنتاجية وتقليص النفقات غير الضرورية سيكون حجر الأساس في هذه الخطة. التخطيط السليم والتنفيذ الدقيق لهذه الإجراءات يمكن أن يؤدي إلى تحقيق التوازن المطلوب في الميزانية، وتعزيز قدرات الاقتصاد الوطني على تحمل الصدمات المستقبلية، وهذا هو الوقت المناسب للحكومة أن تثبت جديتها والتزامها بالأمن الاقتصادي، من خلال تبني سياسات جريئة تعكس فهماً عميقاً للواقع الاقتصادي الراهن والمستقبلي.
فلا يمكن تحمّل تكلفة التردد أو الإفراط في التحفظ عندما يتعلق الأمر بإجراءات ضبط النفقات، لذلك يجب العمل بحزم حتى لا نجد أنفسنا في مواجهة أزمات أعمق قد تؤثر بشكل لا يمكن إصلاحه مستقبلا.