يتفق كثير من الأردنيين ان ما جرى أخيرا من رشقات مسيرات إيرانية باتجاه إسرائيل لا تعدو كونها "مسرحية" وهو اتفاق عكسته منصات التواصل الاجتماعي واكده كبار المحللين والمتابعين والإعلاميين وموجهي الراي العام، والنتيجة "صفر تأثير".
لم نعتد في الأردن على مكاشفات مفتوحة، وبقينا لسنوات نخجل ان نسمي الأمور بمسمياتها وفي كثر من الأحيان نصمت امام ما يتعرض له الأردن من جلد وتخوين وتهميش كرامة لعروبة او تقديرا لظرف طارئ لا مجال لفتح او نبش المواقف. لكن كمتابع وراصد للشأن العام الأردني عبر منصات التواصل الاجتماعي استطيع القول انه وبعد انكشاف فصول المسرحية اعلاها، يمكن بوضوح القول ان حماس "ضحية" توزيع الأدوار بين الطرفين الإسرائيلي والإيراني، وما السابع من أكتوبر الا استكمالا لفصول المسرحية الإيرانية نفذتها حماس المغرر فيها لأدوار البطولة تحت مسميات "التحرير" و"توحيد الساحات"، وهذه الحقيقة يجب ان تعيها حماس خاصة بعد مرور 200 يوم من تدمير كامل لقطاع غزة وتهجير اهله وناسه، لم يتحقق فيها لأهل غزة ولا القضية الفلسطينية الا مزيد من القتل والتدمير والتخريب.
حماس اليوم وبعد أكثر من نصف سنة على أحداث السابع من أكتوبر، تفاوض على ما كانت تملكه كليا قبل السابع من أكتوبر ومنها الانسحاب الإسرائيلي من غزة حينما لم يكن يجرأ إسرائيلي دخول غزة قبل ذاك التاريخ، وتفاوض على رفع الحصار بعد ان كانت غزة قبل ذاك التاريخ ميدانا يعج بالحياة وابواب العالم مفتوحة لأهلها، وتطالب بعودة النازحين الى ديارهم بعد ان كانت كل الأرض ديارهم من أقصاها الى أقصاها.
ورغم تقاطع المصالح العليا للدولة الأردنية مع حماس في رفض التوطين وتهجير الفلسطينيين، الا ان المتتبع والراصد لما يجري الان على الساحة الاردنية، يجد ان ثمة تيارا اردنيا متصاعدا وكبيرا وواضحا يأخذ حيزا من مكاشفة الأردنيين لأنفسهم عبر النقاش على منصات التواصل الاجتماعي وينظر بقلق بالغ وريبة حقيقية لشراكة حماس، الفصيل الجهادي المقاوم في نظر اغلب الأردنيين، مع ايران التي نكلت وارتكبت اعتى المجازر بحق السنة في عواصم عربية محيطة بالأردن، ولا تتوانى منذ سنوات على استهداف امن واستقرار الأردن لتكون محطته الخامسة في المنطقة!! هذه الشراكة جعلت جزءا لا يستهان به من الأردنيين يحبس أنفاسه وهو يرى حماس باتت للأسف جزءا من المشروع الإيراني في المنطقة حالها حال حزب الله والميليشيات في العراق وسوريا!
في ظل هذه المسرحيات التي أيقن كثير من العرب ومنهم الأردنيين انها لا علاقة لها بتحرير الأقصى ولا بإزالة الاحتلال او الانتصار لكرامة الفلسطيني، تراود كثير منا كأردنيين تساؤلات مثيرة للاهتمام لم يسبق ان تم طرحها كما يفعل ناشطين ومؤثرين أردنيين على منصات التواصل الاجتماعي قبل السابع من أكتوبر من مثل: كيف يثق الأردنيون بفصيل يوالي عدو يستهدف وطنه الأردني ليلا نهارا!! كيف يثق الأردنيون بحركة رسخت الشرذمة والتناحر بين مكونات الشعب الفلسطيني منذ 2006؟ كيف يثق الأردنيون بمن يمجد في كل طالعة ونازلة قتلة السنة العرب في سوريا والعراق ويقدمون الولاء والطاعة؟ كيف يثق الأردنيون بحركة كرست بالآونة الأخيرة وجودها وقوتها وادواتها وتصريحاتها لخدمة المشروع الفارسي وتعزيز نفوذه عربيا؟ كيف نثق بقادة حركة لا يتوقفون بكل بيان وكل خطاب عن تحريض وتأليب الشارع الأردني ضد وطنهم وقيادتهم دون غيرهم من الدول العربية الاخرى؟
لا يحتاج الاردنيون ولا الساحة الاردنية الى اي نداء من اي طرف كان ليذكرنا بالوقوف لجانب الحق الفلسطيني. فالأردن الرسمي والشعبي الشغل الشاغل له منذ اكتوبر الماضي هو ما يجري في غزة والعمل على دعم الحق الفلسطيني.
وفي سياق المكاشفة، فان اي نداء للوقوف مع فلسطين يجب ان يوجه للأخوة والاهل بفلسطين والفصائل الفلسطينية التي تشرذمت منذ اقتطاع حماس لقطاع غزة عن الضفة الغربية، والساحة الفلسطينية من انقسام الى انقسام اخر رغم كل المبادرات العربية السعودية والقطرية والاردنية والمصرية لراب الصدع والانشقاق الفلسطيني المتجذر منذ 2006 وحتى تاريخه!!
مجمل القول، وبعد التطورات الأخيرة والمسرحيات التي لا تنطلي على طفل، حماس اليوم بالنسبة لكثير من الأردنيين تتلحف هوية جديدة لم يعتادها الأردنيين من قبل.
حماس اليوم تمعن بإصرار غير بريء ابدا في التدخل بالشأن الداخلي الأردني عبر دعوات متكررة لتهييج العشائر، واقتحام الحدود، وتهيئة الشارع لقبول دعوات تسليحيه لخلق ميليشيات موالية لإيران. حماس اليوم اهملت مشروع المصالحة الوطنية الفلسطينية الذي رعاه العرب منذ 2006 واكتفت بإدارة القطاع عسكريا وارتضت ان تكون أداة بيد إيران واجندتها في المنطقة.
خيار المقاومة لا يختلف عليه اثنان، لكن تحرير فلسطين لا يكون بتخريب وتدمير الأردن الصامد والداعم لغزة والقضية الفلسطينية العادلة. فهل لحماس ان تقول صراحة ماذا تريد من عمّان؟