ما تزال عروض المُزايدة و«المُناقصَة بالطبع», مفتوحة لكتابة سيناريو «اليوم التالي», لحرب الإبادة والتجويع التي تشنها آلة الحرب الصهيوأميركية, على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة المنكوب. إذ برز في الأيام الأخيرة إقتراح مُفخخ وخطير جديد, يتحدث عن «تسليم» قطاع غزة لحلف شمال الأطلسي/ الناتو, على نحو يُضاف الى سلسلة السيناريوهات المُفخّخة التي أتحفنا بها قادة الدولة الفاشية الإستعمارية, لما سيكون عليه القطاع الفلسطيني, بعد انتهاء الحرب, ومّن هي الجهة المُكَلّفة إدارته, أو قُل الجهة المُناط بها صهيونياً, توزيع المسا?دات على المدنيين الفلسطينيين المنكوبين, فيما يتولّى جيش النازية الصهيونية مسؤولية الأمن في القطاع. وهو ما بلوره مُجرم الحرب نتنياهو, في دعوته لتسليم «العشائر» الغزِّية هذه المسؤولية, لم يلبث «مُقترح» كهذا أن سقط َوبات من الماضي ـ في ما يبدو أقلّه ظاهِراً ـ، بعدما رفضت غالبية تلك العشائر الإنخراط فيه.
ثم هبط اقتراح آخر, حملَ في طياته هذه المرة بُعداً سياسيّاً مُباشراً, عندما تم رفعَ شعار «لا حماسْستان, ولا فتحستان», مُلتقياً بوضوح مع إعلان نتنياهو «رفض عودة» سلطة الحكم الذاتي في رام الله إلى القطاع, فضلاً عن كونه أحد الأهداف الثلاثة لحرب الإبادة والتجويع التي يشنها تحالف الشر الصهيوأميركي, وهو «تقويض حُكم حماس». لم يجد إقتراح مُفخخ آخر كهذا طريقه إلى التنفيذ. فضلاً عن سلسلة تسريبات تولّت وسائل الإعلام الصهيونية وبعض الأميركية, الترويج لها من قبيل تقسيم القطاع وعودة الإستيطان اليهودي وإقامة منطقة عازلة, ?يل أن مساحتها تصل إلى 20% من مساحة القطاع, وغيرها مما لا يعدو كونه بالونات إختبار. ناهيك عن اقتراح أكثر خطور رامَ من بين أمور أخرى «تعريب» الصراع, عبر «تسليم» القطاع الى قوات «عربية», تتولى من بين أمور أخرى, «توضيب» القطاع وتهيئته للمرحلة المقبلة (الغامضة ومفتوحة الإحتمالات كما يجب التنويه).
ثم جاء التسريب الصاعق الأخير, الذي لم يتبنّاه أحد حتى الآن, والقاضي «تسليم» القطاع الفلسطيني إلى الحلف العسكري الإستعماري المُسمى حلف شمال الأطلسي, كي ينهض بالمهة المُوكلة إليه أميركيّاً وصهيونيّاً. ولافت هنا أن القناة التلفزيونية الصهيونية/12, هي التي «انفردت» بالخبر. الذي جاء فيه وفق القناة «12»: أن إدارة الرئيس الأميركي بايدن ودولاً عربية, تبحث حالياً مُقترحاً يقضي بوضع قطاع غزة تحت سيطرة حلف شمال الأطلسي/الناتو بعد انتهاء الحرب فيه. وفي تقرير بثّته الثلاثاء الماضي (أي قبل يومين فقط من استخدام واشنطن ال?يتو رفضاً لمنح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة وزعماً أن المفاوضات هي الوسيلة الوحيدة لقيام دولة فلسطينية)، أفادت القناة بأن المقترح يَنُصْ على «وجوب تأمين اعتراف دولي بقيام دولة فلسطينية، يتلوه وضع قطاع غزة تحت سيطرة قوات من حلف الناتو بعد انتهاء الحرب الإسرائيلية على القطاع».
وبحسب القناة، فإن الخطة «ترفضُ استمرار حُكم حركة حماس في القطاع, كما ترفض عودة السلطة الفلسطينية إلى إدارة دفَّة الأمور هناك، وأن المقترح ينصّ على إشراف حلف شمال الأطلسي على عملية إعادة إعمار قطاع غزّة، وإدارة شؤون حياة الغزّيين. ونوه التقرير إلى أن قوات الحلف ستمكث، بحسب المقترح، خمس سنوات في قطاع غزة، يتم في أعقابها «إجراء انتخابات وتشكيل حكومة محلية تشرف على إدارة شؤون القطاع. وينص المقترح على أنه «في حال نجاح المقترح في القطاع، سيتم تطبيقه لاحقاً في الضفة الغربية».
عند تفكيك تفاصيل النص أعلاه, يلحظ المرء بغير عناء, ما يستبطنه بل وما رامَ واضعوه تحقيقه من أهداف سياسية, يقف في مقدمتها فصلُ الضفة عن القطاع, عبر إجراء إنتخابات فيه. منفصلة عن إنتخابات في الضفة في الوقت ذاته, بمعنى كيانين منفصلين. ثم في حال ـ وهنا يتجلى الخبث الإستعماري ـ حال نجاح التجربة في القطاع, سيتم «تطبيقه في الضفة الغربية», طبعاً تحت إشراف الناتو وتحت سيطرة قواته حيث لن تكون في الضفة «سلطة الحكم الذاتي» المرفوضة إسرائيليّاً وأميركيّاً.
نأتي إلى حكاية الفقرة التي تصدّرت النص وتتحّدث عن «وجوب تأمين اعتراف دولي بقيام دولة فلسطينية», ولا نغامر إذا ما قلنا أن الذين عكفوا على كتابة «السطر المُقتضب والغامض» هذا, لا يقصِدونه ولا يحفلون به, كونه حمّال أوجه, ولا يتحدث عن الجهة أو الجهات التي ستتولى إنجازه وتأمين الموافقة عليه ومنحه الشرعية الدولية والقانونية, فضلاً وهذا هو الأهم ما هي حدود الدولة الفلسطينية العتيدة التي يقول النص المُفخخ والخبيث هذا بـ«وجوب تأمين اعتراف دولي بقيام دولة فلسطينية», خاصة في ظل حديث عن انتخابات في القطاع أولاً ثم لاحق?ً في الضفة المُحتلة بشرط «نجاح» التجربة في قطاع غزة. دونما إشارة إلى المستوطانت والقدس واللاجئين والحدود والمياه والسيادة.
في السطر الأخير أشاد الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية «أمان» تامير هايمان، بالمقترح على اعتبار أنه «يمكن أن يُفضي إلى تحقيق أهداف الحرب على القطاع، وعلى رأسها التخلّص من حكم حركة حماس». في حين قالت القناة «12»: من السابق لأوانه معرفة موقف إئتلاف نتنياهو، كون القوى اليمينية التي تُشارك فيه, ترفضُ «من حيث المبدأ» فكرة إقامة دولة فلسطينية.
فعلى مَن يتلو حِلف الشر الصهيوأميركي... مزاميره؟.