... زمان حين كانت تغني سميرة توفيق , وفي فترة الحماس ينزل شخص أصلع من (الستيج) يحمل طبلة , ثم يلحقه صاحب (المزمار) ..ويقفون بجانب المحروسة ...الهدف من هذه الحركة هو إشاعة الحماسة بين الجمهور .
في علم الموسيقى صاحب الطبلة الضخمة هو مجرد إكسسوار في الفرقة , هو لايقرأ النوتة ..ولا يحتاج أصلا لتعلم القراءة , وهو لا يأتي إلى تدريبات الفرقة ..لأنه يعزف على إيقاع شعبي ..ووظيفته أن يقف بجانب (سمورة) ..وصاحب المزمار غالبا ما يأتون به من الأحياء الشعبية , كونه تعلم العزف بالطريقة السماعية ..وغالبا ما يكون (أميا) لا يقرأ ولا يكتب ...وهو في الحفلة يحفظ دورا ولحنا فقط ...والفرقة بدونه قد تؤدي الوصلة كاملة وغيابه لايشكل أي تأثير ...
ملامحهم وطريقة وضع ربطات العنق توحي بشكل مؤكد أن ضارب الطبل ..كان في البداية سائق باص , ثم تحول إلى الإيقاع ..وصاحب المزمار من طريقة تحريك الإصابع يشعرك بأن مهنته الأصلية كانت في البداية ...(طوبرجي) ...والطوبرجي مهنة مهمة وخطيرة فهي تحتاج لدقة في رص الطوب واستعمال (المسطرين) وبالتالي رشاقة الأصابع لديه اكتسبت من تعامله الطويل مع (المسطرين) .
بالمقابل خلف سميرة يوجد عازف كمان , وهذه الالة تحتاج لدراسة ..أغلب من كانوا يعزفونها أو يعزفون القانون ..تخرجوا من معاهد الموسيقى في مصر , ويعرفون كيفية العزف بالدوزان الغربي والشرقي ..هؤلاء يقرأون النوتة جيدا ويفهمون معنى التوزيع (الأوركسترالي) ...بمعنى اخر هم يتعاطون مع الموسيقى كعلم قائم بحد ذاته , ويحتاج لموهبة وممارسة ..ويحتاج للتعرف على كل جديد .
الشرخ الذي أحدثته سميرة في علوم الموسيقى هو ذات الشرخ الذي حدث في السياسة العربية مؤخرا , فمن يظهرون للشاشة ومن يختطفون الأضواء من الفرقة كاملة ومن يعتقد الجمهور أن الحفلة كانت قائمة عليهم ..هم صاحب الطبلة ( وأبو زميرة) ..وهؤلاء في الغالب جاءوا للمشهد بالصدفة , علما بأن صاحب المزمار ..مازال يعتمد في قوته وحياته على (المسطرين) ...ويغيب عن المشهد من درسوا الموسيقى في معاهد مصر والعالم , ومن تمرنوا جيدا للحفلة ..ومن يتعاطون مع العزف على أنه ثقافة عريقة .
أتابع الإعلام ..أتابع التحليلات حول المشهد الحالي, وأسأل نفسي أحيانا ..أين راكان المجالي لماذا يغيب عن الشاشة ؟ لقد كان صديقا شخصيا لنصف الزعماء العرب ..كان نقيبا للصحفيين الأردنيين ...كان كاتبا في القبس والمحرر والوطن العربي ..لكني لا أجده ..أسأل في ذات الوقت أين فهد الريماوي ...ألم يشكل هذا الرجل في فترة ما معارضة وطنية صادقة وملتزمة ...ألم يكن شخصية محترمة ومرجعا لدى الناصريين في مصر ...اسأل في ذات السياق أين شخصية سياسية وازنة مثل عبدالإله الخطيب ..ألم يكن وزيرا للخارجية ومبعوثا من الأمم المتحدة للمسألة الليبية ؟ ....أين رجائي المعشر ..ألم يكن هذا الرجل أصغر وزير في الأردن وقاد مؤسسات مالية ضخمة واستثمر في الهوية والمشروع الوطني ...وقبله كان والده صالح المعشر من القلة التي أسست الحزب الإشتراكي ..وصاغت معارضة وطنية ملتزمة ومحترمة .
سميرة توفيق مع احترامي وتقديري لها ...شكلت في الواقع السياسي والإعلامي العربي أكثر مما شكلت في الواقع الفني ...سميرة لم تكن أصلا تمتلك وعيا فنيا كانت (تغمز) وكانت تمتلك صوتا جميلا ...وأكثر ما كان يؤرقني هو (ابو زميرة) في أغنية ...(يا ابو خديد منقرش) كان حين ينفخ ,تتفتق أزرار القميص السفلية ..وتشعر أنه لايعزف بقدر ما يقوم بضرب (الصبة) عبر (المسطرين) في شقوق الحائط ....حتى (أبو طبلة) كنت أشعر أن حماسته في النهاية ستجعله يقوم بالهجوم على الجمهور وضرب أحدهم على رأسه مستعملا (القنوة) التي يحملها لأجل الطبل .....
على كل حال ....أنا من الجيل الذي تربى على غمزات سميرة , ومازلت مع إشراقة كل صباح أصدح : ( حبحبني على الخدين شو هالجسارة ..ريد اشتكي ع الزين لقاضي العدالة ) ...