استراتيجيا ، من المبكر الحكم على نجاح او فشل الهجوم الايراني على اسرائيل ، والأسباب الحقيقية له ، وعدم استخدام الوكلاء فيه ، علما بأن هذا الهجوم شكل منعرجا سياسيا رمزيا حمل دلالات ، لا ترتبط بأي معنى عسكري ، وعكس ذلك حالة الانقسام بين الخبراء والمحللين حول تقييمه ، بالرغم من تورط بعض المحللين باستخدام العاطفة لتأييد العملية الايرانية ، والترويج لها ، باعتبار أن اي هجوم على اسرائيل مهما كان حجمه والجهة التي تقف خلفه واهدافه ، هو موضع ترحيب.
تكتيكيا، ايران اعلنت ان احد ابرز اهداف هجومها تغيير قواعد الاشتباك ، وهذه رسالة واضحة، الا ان هذه القواعد لا توضع من قبل طرف واحد ،وهناك محددات اخرى لها ، منها ( رد اسرائيل ونطاقه واهدافه وهل سيشمل داخل ايران ام وكلائها ام العودة لمعارك الظل والعمليات المنفردة ؟ استعداد ايران للرد على اي هجوم جديد لاسرائيل وكيف سيكون بشكل مباشر ام من خلال وكلائها ام الاثنين معا ، ما هو مستقبل وكلائها في حال تحصلت على مكاسب سياسية واستراتيجية في المنطقة ؟ الموقف الامريكي والغربي والروسي والصيني من اي تصعيد محتمل ؟ ..) .
الاتصالات الدبلوماسية الايرانية مع العديد من الدول، وتصريحات القادة السياسيين والعسكريين ، اكدت أن أي هجوم اسرائيلي على هدف ايراني وان كان صغيرا سيقابل برد قاسي وواسع النطاق وبدون مدة انتظار ، وتساوق ذلك مع توظيف ايراني لخطابها السياسي والاعلامي والديني، عبر أدواتها الاعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي، لتوجيه رسائل للداخل الايراني لاحتواء تصاعد الاحتجاجات الشعبية نتيجة الصعوبات الاقتصادية ، والاخرى للمنطقة العربية ودغدغة العواطف الدينية ، وان هجومها لاسناد غزة وفلسطين ، ويتزامن هجومها مع ذكرى غزوة الخندق .
ايران صرفت النظر عن خطط لتحقيق خسائر معنوية بالدرجة الأولى ،وضعتها عام ٢٠٢٢ ، ضمن استراتيجية (التهديد مقابل التهديد ) للرد المباشر على العمليات الاسرائيلية ( ضربات لمواقع ومنشآت عسكرية، اغتيالات لعلماء ومهندسين وعسكريين ،..) داخل ايران او وكلائها ، في اطار خطة اسرائيل ( الأخطبوط) التي وضعتها عام ٢٠٢١ .
بالمجمل ، ايران واسرائيل حققا أهدافا ايجابية ومكاسب من هذا الهجوم ، والسيناريوهات المفترضة بينهما تحافظ على عدم التصعيد والوصول لمواجهة إقليمية مباشرة ، اما الخاسر الاكبر فهو الوطن العربي ، الذي يعاني فعليا من احتلالين للأراضي العربية من قبل المشروعين الايراني والصهيوني ، وغياب شبه كامل عن التأثير في المنطقة ، يضاف إلى ذلك محاولات شريرة من البعض في الداخل العربي لتوطين المشروع الايراني ، بدعوى مواجهة اسرائيل وضعف الأنظمه السياسية العربية .