يعيش الأردن في جغرافيا ظالمة منذ ما يزيد على مئة عام وواجه ظروفاً قاسية في الأعوام الماضية القريبة والبعيدة، تحمل فيها موجات لجوء كثيرة و متعددة، على الرغم من شح الموارد ومحدوديتها، بكل صدر رحب؛ انطلاقاً من دوره الإنساني وطبيعة توجهاته العروبية والإسلاميّة، التي كان للثورة العربية الكبرى دور كبير فيها، ولكنه تجاوز هذه الظروف، بما فيها من مؤامرات على الدولة والرهان على زوالها، بجهود أبناء الوطن الأوائل ودماء الشهداء الذين قدموا أرواحهم فداء له ولقضايا أمته وبحنكة الميامين من ملوك بني هاشم بدءاً من الملك عبدالله المؤسس إلى عهد الملك عبدالله الثاني حفظه الله و رعاه.
وقد مرّ على البلاد جوع وفقر ولكنه تحمل ذلك؛ فعمّر الأردنيون الرجال البلاد وأعلوا البنيان وقدّموا خبرات معتبرة للبلدان من حولنا، حين كانت تحتاجها وما جلسوا ينتظرون حلولاً سحرية لمشكلاتهم الاقتصادية الكبيرة؛ لأنهم يؤمنون بدورهم في هذا الوطن ويؤمنون بكل ذرة من ترابه وقد حرصوا على الإخلاص له والانتماء إليه والوقوف معه في الشدّة فضلاً عن الرخاء.
ونحن الآن نحتاج لوقفة الرجال، التي اعتادها الأردنيون، من أبنائه المخلصين في ظل واقع مؤلم يواجه فيه إخواننا في الضفة الغربية وغزّة عدواناً لم تره البشرية من قبل ويحاول الأردن، القوي، أن يُسندهم سياسياً من خلال مطالبة المجتمع الدولي بوقف العدوان و إدانته من جهة و تقديم المساعدات الإغاثية من جهة أخرى؛ بالرغم من حملات التشكيك الخبيثة التي يقودها الكارهون لهذه البلاد !.
وما يزيد من عمق الأزمة وشدّتها ما يواجهه الأردن من خطر كبير على الحدود مع سوريا يتمثل بتهريب المخدرات والسلاح؛ وهو خطر لجأ فيه الأردن إلى المواجهة العسكرية المباشرة مع ملاذات التهريب وينابيعه، حتى وصلت إلى تنفيذ ضربات جويّة داخل الحدود مع سوريا، في ظل عدم استجابة السوريين إلى ضبط حدودهم و وقف عمليات التهريب للسلاح و المخدرات، وهي حرب على الأردن بكل ما تحمل هذه الكلمة من دلالة !.
غير أن الأزمة لم تعد أزمة عابرة في ظل مواجهة الأردن لمشروعين خبيثين وكبيرين، الأول من غربنا نظراً لوجود حكومة يمينية متطرفة فاشيّة لا تؤمن بحل سلمي للقضيّة الفلسطينية و ترى أن ترحيل سكان الضفة الغربية و تهجيرهم إلى الأردن هو الحل السحري للمشكلة الديموغرافية التي تراها إسرائيل عقبة في سبيل تحقيق حلم الدولة اليهوديّة ، والثاني يأتينا من الشرق حيث يربض مشروع الدولة الإيرانيّة على أرض العراق وهو مشروع يقوم على الرغبة في التمدد والتوسع على حساب الدول المحيطة، كما حصل في لبنان والعراق وسوريا واليمن، ولا يكتمل الطوق على دول الخليج إلا بالعبور إلى الأردن، لا قدّر الله ،عبر توظيف المليشيات المسلحة على الحدود و استغلال مشاعر الناس اتجاه أهلنا غربي النهر و توظيفها في تحريك الشارع عبر التحريض المباشر مرة و غير المباشر مرة أخرى، من خلال الاستعانة بمجاميع تيار إخواني تقمص دور المقاومة و ركب موجة الشارع و بقايا يسار بائس، وتأجيج مشاعر البسطاء من الناس اتجاه الدولة و زرع الفرقة بين أبنائها !.
أعتقد، جازماً، أن على الأردنيين الالتفاف حول قيادتهم والدفاع عن الدولة و مؤسساتها الشرعيّة المدنيّة والعسكريّة والأمنيّة، ورفع حالة الوعي لدى الناس بهذه المشاريع الخبيثة و دوافع كل من يتربص بساحتنا الأردنيّة عبر عناوين مغشوشة و غير صحيحة مثل تمكين دولة الملالي من تحرير القدس التي يرفعونها كغاية سامية عندهم و ما هي بسامية ، وإنما هي شعارات، غير صادقة، يوظفونها لتوسيع مناطق نفوذهم وسيطرتهم ، وانظروا حولنا حجم الخراب الذي أحدثوه في تلك البلدان التي سيطروا عليها بدءاً من انهيار الدول إلى انتشار المليشيات المسلحة و تصفيات تنجز على الهويّة !.
كما أن على الأردنيين أن يساندوا الدولة في عقلنة الخطاب في الشارع و نزع الجرعات السُميّة منه؛ لأن هذه بلادنا لا بلاد لنا غيرها ولا نراهن على أي كان غير الدولة الأردنيّة والدولة فقط؟