تصعيد إسرائيلي إيراني متواتر على خلفية قصف إسرائيل للقنصلية الإيرانية في دمشق وقتل 16 شخصا بينهم قائد فيلق القدس الإيراني في سورية ولبنان وفلسطين. القصف الإسرائيلي اعتبر تغييرا بقواعد الاشتباك وخروجا عنها بين إسرائيل وإيران حيث لم تستهدف البعثات الدبلوماسية بالسابق، رغم أن الاشتباك بين إيران وإسرائيل مستمر ويتجاوز بمراحل مجرد الحرب الباردة، بل هي فعلية في المياه الدولية من استهداف للسفن واغتيالات كانت على الأراضي الإيرانية وغيرها. الحرب محتدمة لكن لم تكن تشمل البعثات الدبلوماسية، وإسرائيل شنت عشرات العمليات العسكرية ضد إيران في سورية رغم انها نادرا ما تعترف رسميا بذلك.
إسرائيل تريد التصعيد وفتح مزيد من الجبهات، وحكومة نتنياهو بالتحديد تسعى لذلك لانها فقدت الكثير من الدعم الدولي بسبب سوء حربها في غزة وتكلفة ذلك على المدنيين الفلسطينيين العزل، وبالتالي فتوسع الحرب إقليميا ومع إيران سوف يعيد الدعم والتعاطف الدولي المتناقص. إسرائيل تريد التوسع بالحرب أيضا إدراكا منها أن إيران تستمر بالتمدد بالإطباق عليها في سورية ولبنان، وانها تعد العدة وتزيد تراسانتها لكي تزيد من حجم التهديد ضد إسرائيل، ولذلك فتوسيع الحرب مع إيران إقليميا من شأنه أن يضعفها إستراتيجيا.
إيران ولذات الأسباب ردت بطريقة اعتبرتها غير تصعيدية وأعلمت أميركا بعدد اسلحة وزمان الرد فهي لا تريد أن تتوسع بالحرب، وما قرار حزب الله وسورية في عدم توحيد الساحات الا انعكاس لهذه السياسة. إيران لم ترد يوما اشتباكا واسع النطاق مع إسرائيل والغرب، وهي تريد التمدد ببطء والسيطرة على عاصمة تلو الأخرى لتحقيق أهدافها التوسعية والسيطرة على الإقليم من خلال اذرعها وبالتالي الوصول لمبتغاها الإستراتيجي في أن تصبح الدولة المهيمنة بالإقليم. فعلت وتفعل ذلك من خلال خلق الأذرع وتقويتها من دون الدخول مباشرة بمواجهة مع الغرب. إيران أرادت الرد حفاظا على الكرامة السياسية ولكنها لا تصعد فلا مصلحة لها بذلك فهي تقضم وتتمدد بالإقليم بروية وبتكلفة قليلة، فلم الحرب إذا. الخبث الكبير في رد إسرائيل أن جزءا منه كان عبر الأجواء الأردنية في محاولة اقحام تدلل بعمق على نوايا خبيثة وخطيرة، والأردن كما أي دولة ذات سيادة كان عليه واجب الرد والحفاظ على سيادة أجوائه ضد أي كان.
العالم لا يريد شرق أوسط غير مستقر مستنزف سياسيا وعسكريا، لذا فلا رغبة عند القوة العالمية وأميركا الدخول بمواجهة مع إيران لصالح إسرائيل. ثمة مدرستان عالميتان للتعامل مع الخطر الإيراني، الأولى تقول بالاحتواء والإضعاف التدريجي وهذا من شأنه أن يدفع إيران نحو الانهيار لانها لن تقوى على الاستمرار في ظل أوضاع اقتصادية صعبة بالتزامن مع إنفاق عسكري إقليمي هائل. المدرسة الأخرى تقول بضرورة خلق حلف للقوى المناهضة لإيران وهي عديدة ولكن يقف بوجه تحقيق ذلك حل الصراع مع الفلسطينيين وإعطائهم دولتهم وهو ما لا يبدو ممكنا في ظل حكومة اليمين المتطرفة الإسرائيلية الحالية.