تَجِدُ التّجمُّعات البشرِيّة ضالّتَها في أُتونِ اشتباكٍ بَينيٍ شرس داخِل حُدودِ قالِبِها الواحِد وعلى اختِلاف أقطابِها ، يَتَصارَع فيها ويتَداخَل الجِذرُ الطَّائِفي مَع مَشاريعَ خارجيّة وتَقاطُعاتٍ مَصلَحيّة عابِرةٍ ، تَتَخندَقُ شِعاراتيًا وتسطو على مَشروعاتٍ لَم تُغرَس آليات تَحقيقها بَعد في عُقولِ تِلكَ الأجْسام المُمتَطاة.
يَتَحقّق قَمع قوّةُ المُقاوَمةِ الفِعليّة والعَميقَة في وُجدانِ الأُمّة نَتِيجَةً للأطماع الإقليميّة ومَخالِب التّقسيم التي تفتِك في البُنيانِ الوَاحِد ، وعلى إثرِها يُصبِح من عمليّة "قضم" تلك الدويلات لُقمَة سَهلة - فها هُنا جَبلُ الدروز وهناك سَهلُ السُنّة وعلى سفح الوادي شيعيٌ ، وعلى تلك التلّة مسيحي - ، يَتَحالَف هذا المَذهب مع ذلك النّظام السّياسي ويُناكِف تِلكَ "العُصبَة" داعيًا لإقتلاعِها بوصفها "سرطان" يَنخَرُ في جَسدِ الأُمّة.
تَزحَف شِعاراتُ "المَوت" ومناهضة "الإمبريالية" ، لا لِشيء بَلْ لتأمين أرضِيّة خَصبَة تَنبِتُ فِيها خُصَلٌ طائِفيّة بائِسة لتَفريقِ الشّمل وإشعال الحُروب وإحلال مشروع "توسُّعي ثوري" على حسابِ مشروعٍ آخر "كولونيالي استيطاني". فكِلا المشروعين لا يَنبِتان ولا يَرتَكِزان إلّا على "فوضى المُحيط" وحُطامِها الخَلّاق، وكلمّا تشظّى الجِوار زادت فُرَصُ الهيمَنَة.
إنشَطَرْ "القُطرْ" العَربي شِيَعًا ونُزِع تَعقُّلَه عُنوةً وعُزِلَ عن خُصوصيّته الإجتِماعيّة البُنيَويّة بفعلِ الإيراني ، وبالنّتيجة ، سخّرت إسرائيل أيدولوجية الأول ذراعًا لِتحقيقِ مآربها دافعةً من هو على قائِمَة "التّجريف" الإيراني نحو الغَرب تَطبيعًا على كافّة الأصعدة بما يَصبّ في ميزانِها التّجاري ودَفعِها لِتَبوأ مَرتبة الصَّدارة في المَنطِقة.
فَيَتعمّق الجُرح العربيّ وَيَغيبُ مشروعُه الجامِع ويُصبِح الحُلم الإيراني و "صِنْوُهُ" الصهيوني أمرًا واقعًا يبدّد - بِدافِع المُمكِن مِن مَشاريع - أدنى خُطَط الشراكة والتّشبيك الإقتصادي بين الدّول العربيّة.