في الأحياء الفقيرة، غالبا ما توصف العناوين بجملة: (اول دخلة ع اليمين)...بعكس الأحياء الغنية والتي لايوجد فيها (دخلات) كلها شوارع معبدة وأرصفة..وشجر زرع على الأطراف.
(الدخلة) ليست شارعا صغيرا غير منظم، هي عكس ذلك تماما هي تعكس ثقافة الناس أكثر منها جغرافيا تحدد أماكن السكن، فقد أنتجت (الدخلات) في مجتمعاتنا الكثير من الحب، والكثير من رائحة الثوم..على الأقل في مجتمعات (الدخلات) تستطيع أن تعرف ماذا طبخت أم محمد اليوم، وأسباب المشاجرة التي اندلعت في منزل أم تهاني...وتستطيع أن تعرف أيضا، أسباب طلاق منتهى.
مجتمع (الدخلة)..غالبا ما يحتوي على سيدة في منتصف العمر تضع(بشكيرا) على رأسها ومهمتها أن تراقب الذين يأتون والذين يغادرون، أيضا لابد من وجود فتى هرب من المدرسة للتو اسمه (حسونه)...وقد استلقى بجانب أحد أعمدة الكهرباء..لأجل عدم اكتشاف قصة هروبه، وتوارى عن أنظار نساء الحي...في ذات المجتمع لابد أيضا أن يأتي (بكم) وقد حمل بأنواع من الخضار..وغالبا ما يبحث سائق (البكم) عن سيدة تدعى (أم سامي)..لأجل سداد الديون التي تراكمت عليها..
أيضا في مجتمع (الدخلات)، لابد من توتر يصيب (جابي الكهرباء) قبل دخوله ففي اخر مرة حاول فصل التيار عن أحدهم تلقى (قنوة) في منتصف الرأس...ولابد أيضا من وجود عجوز متسلطة، مهمتها شتم كل من لايسلم عليها، ويجلس لإخبارها بأحداث لم تحصل أبدا، ووشايات لم تكتمل....لابد أيضا من وجود (تكسي)..متوقف منذ شهرين، وقد فردت العائلة (بطانبة) على الزجاج الأمامي..وتم تكليف أحد الصبية بحراسته، وهذا التكسي يعود (لحمودة) الموجود في السجن على خلفية تحرش غير مقصود أبدا...وغالبا ما تسرد والدة (حمودة) القصة للجارات، وتختمها بجملة: (الله لا يوفقهن بنات الحرام)..باعتبار أن (حمودة) كان صيدا سهلا لإحداهن.
لابد من الإشارة أيضا، إلى وجود متقاعد في الدخلة، وظيفته السؤال عن الوالد..فكلما مررت من جانبه يداهمك بالقول: (كيف الوالد؟)...وهو غالبا ما يرتدي دشداشة بيضاء، مثقوبة بفعل جمرات السجائر...لابد أيضا من وجود اثار (صبة) لم تكتمل وبعض (الطوبار)...
في المجتمعات العربية، كثيرا ما نتبنى نظريات كارل ماركس في الطبقات ونشأتها ومن ثم انهيارها، ومفاهيم الملكيات...كثيرا ما نتبنى ونناقش في رسائل الماجستير الفلسفة الوجودية لجان بول سارتر، وكيف برز هذا المنهج بعد الحرب العالمية الثانية...وتبناه بعض الفلاسفة الألمان، كثيرا ما نناقش أيضا...جان جاك روسو ومسألة العقد الاجتماعي، وهل كانت سلطة بديلة عن السلطات الأخرى التي انهارت بفعل الثورة الفرنسية؟
لكن أحدا فينا لم يسأل لو أن جان جاك روسو ونيتشه وجان بول سارتر عاشوا مثلا في إحدى (دخلات) حي نزال فهل سيكون نتاجهم مطابقا لما أنتجوه في اوطانهم..؟
الأردن أنتج أهم ثقافة في العالم وأهم نظرية اجتماعية..وهي ثقافة ونظرية (الدخلة)..والتي بدورها أفرزت واقعا اجتماعيا مختلفا..وأفرزت أيضا نسفا جذريا لنظرية كارل ماركس في الطبقات، والأهم أنها أيضا ألغت منهج الوجودية في الفلسفة..والعبثية أيضا...
أفكر جديا بتأسيس حزب اجتماعي في الأردن يختلف عن منهج وطريقة عمل كل الأحزاب الموجودة، أفكر بتأسيس حزب (الدخلة)....على الأقل هو حزب يعبر عن الواقع، ويؤسس لنظرية اجتماعية..ناهيك عن أنه يمتلك مجموعات من المناضلين..وأولهم حمودة صاحب التكسي.