شهدت العاصمة الأردنية «عمّان» حراكًا سياسيًا، دبلوماسيًا، وأمنيًا رفيع المستوى، عقب «الرد- الضربة» الإيرانية على دولة الاحتلال الإسرائيلى الصهيونى، وفى مستوى قيادى مهم ومؤثر تلقى عاهل الأردن الملك عبدالله الثانى اتصالًا هاتفيًا من الرئيس الأمريكى جو بايدن، بحثا خلاله، وفق بيان صادر عن الديوان الملكى الهاشمى الأردنى، حصلت «الدستور» على نسخة منه، آخر التطورات فى المنطقة والجهود المبذولة لخفض التصعيد والتوصل لوقف لإطلاق النار فى غزة.
وكشف بيان الديوان عن أن الملك شدد على ضرورة وقف التصعيد فورًا فى الإقليم، محذرًا من أن أى إجراءات تصعيدية إسرائيلية ستؤدى إلى توسيع دائرة الصراع فى المنطقة.
وفى ذات السياق، اعتبر الملك أهمية وقف الحرب على غزة فورًا هو السبيل لوقف التصعيد وحماية المنطقة من تبعات، لافتًا إلى أن الأردن لن يكون ساحة لحرب إقليمية، مجددًا التحذير من تبعات العدوان الإسرائيلى على غزة والتصعيد المستمر فى الضفة الغربية.
وأوضح الملك عبدالله الثانى للرئيس بايدن ضرورة حماية المدنيين فى غزة وضمان إيصال المساعدات الإنسانية بشتى الطرق وبشكل كافٍ ومستدام، وفق تفعيل العلاقات الأردنية الأمريكية، مع أهمية مواصلة التنسيق بين البلدين حيال التطورات فى المنطقة.
* الملك ورئيس الإمارات العربية
من جانب آخر، قال بيان الديوان الملكى الهاشمى إن الملك عبدالله الثانى تلقى اتصالًا هاتفيًا من الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة؛ تناول الاتصال جهود التوصل إلى وقف فورى ودائم لإطلاق النار فى غزة، ومضاعفة المساعدات الإنسانية والطبية والإغاثية وإيصالها للأهل فى القطاع بكل الطرق الممكنة.
جاءت تأكيدات الأردن ملكًا وشعبًا وحكومة على أهمية مواصلة تنسيق الجهود العربية، خاصة فى ظل التطورات التى يشهدها الإقليم.
* وزير الخارجية الأردنى أيمن الصفدى
* فى ظلال اليوم التالى، لـ«الرد- الضربة» الإيرانية على دولة الاحتلال كشفت مصادر أردنية عن تأكيدات سياسية وأمنية، أكّد فيها نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية الأردنى، أيمن الصفدى، ما قد يعتبر من أساسيات التوجه الدبلوماسى والسياسى فى هذه المرحلة، وقال الصفدى، خلال برنامج «صوت المملكة»، الذى يبث على فضائية «المملكة» الأردنية، محددًا عدة محاور تشكل رؤية المرحلة، بالذات السياسة الإسرائيلية المتطرفة ضد الشعب الفلسطينى، وإثارة التصعيد فى المنطقة والإقليم، وهى وفق أقوال الوزير:
* أولًا:
سياسة الأردن ثابتة، وكل مسيرة أو صاروخ تخترق الأجواء الأردنية سيتم التصدى له لنحول دون أن يسبب ضررًا فى الأردن وتهديدًا للأردنيين، مشيرًا: «للأسف كانت هناك تصريحات مسيئة من قِبل وسائل الإعلام الإيرانية بما فيها وكالة الأنباء الرسمية الإيرانية».
وتابع: «اليوم وزارة الخارجية استدعت القائم بأعمال السفارة الإيرانية فى عمّان، وأرسلت له رسالة واضحة بضرورة أن تتوقف هذه الإساءات للأردن، ويتوقف هذا التشكيك بمواقف الأردن».
* ثانيًا:
«مشكلة إيران مع إسرائيل وليست مع الأردن، ولا إيران ولا غيرها تستطيع المزاودة على ما يقوم به الأردن وما يقدمه الأردن وما قدمه تاريخيًا من أجل فلسطين».
* ثالثًا:
حدث فى السابق أن سقطت صواريخ ومسيرات على الأردن، وهذه سياسة ثابتة، بأن كل ما يشكل خطرًا على الأردن نتصدى له، لأن أولويتنا حماية الأردن، وحماية أرواح الأردنيين وحماية مقدرات الأردنيين وحماية أمن البلد واستقراره، وكان هنالك تقييم بأن ثمة خطرًا حقيقيًا من سقوط المسيرات أو الصواريخ على الأردن، وتعاملت القوات المسلحة الأردنية مع هذا الخطر بما هو مطلوب.
* رابعًا:
إذا كان هذا الخطر قادمًا من إسرائيل، فسيقوم الأردن بالإجراء نفسه الذى قام به، وهذا موقف نؤكد بشكل واضح وصريح، ولن نسمح لأى كان بأن يعرّض أمن الأردن والأردنيين للخطر، وأنه موقف مبدئى وهذه إجراءات قمنا بها فى الماضى وقمنا بها أمس وسنقوم بها فى المستقبل، سواء كان مصدر التهديد إسرائيل أو إيران أو أيًا كان.
* خامسًا:
أن الأردن دولة قادرة على حماية مصالحها، حيث أن كل ما يجرى يهدد كل دول المنطقة، والتصعيد الإقليمى يهدد كل دول المنطقة، وتوسع الحرب إلى حرب إقليمية يهدد كل دول المنطقة.
* استمرار الحرب على قطاع غزة
وفى طبيعة الدور الأردنى الحراك الدبلوماسى الدولى والعربى والأممى، حدد الصفدى، أن الأردن ودولًا صديقة فى الجوار والعالم تعمل وفق:
* 1:
الدفع باتجاه عدم توسعة الحرب، ذلك أن استمرار الحرب على قطاع غزة سيدفع باتجاه توسعة الحرب وسيدفع باتجاه المزيد من التوتر فى الإقليم وسيقود إلى حرب إقليمية.
* 2:
إن «التحدى الآن هو أن نحول دون المزيد من التصعيد وعبء ذلك يقع على إسرائيل، حيث أن شرارة التصعيد هو الهجوم الإسرائيلى على القنصلية الإيرانية».
*3:
أن إيران ردّت على الهجوم الإسرائيلى الذى كان استهدف قنصليتها فى العاصمة السورية دمشق، حيث أن إيران شنت هجومًا بمسيرات وصواريخ على إسرائيل فى تصعيد كنا قد حذرنا منه منذ بداية الحرب على قطاع غزة.
* 4:
أن الجميع يريد خفض التصعيد، لكن الجميع يعلم أن الطريقة الوحيدة لخفض التصعيد هى وقف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، ووقف كل إجراءاتها التى تدفع المنطقة باتجاه هاوية الحرب الإقليمية.
* 5:
أن الأردن حذر مرارًا من أن تزايد الضغط على إسرائيل وتغير الرأى العام الدولى إزاء ما تقوم به من عدوان على غزة، سيجعل رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو يبحث عن مخرج لتشتيت النظر عما يجرى فى غزة.
* 6:
حذر الأردن أن نتنياهو سيحاول أن يفتعل مواجهة مع إيران ليجر الولايات المتحدة، وربما الغرب، كله إلى حرب إقليمية، حيث سيذهب التركيز باتجاه إيران، ويعيد حشد موقف دولى داعم لإسرائيل ضد إيران، وينسى العالم غزة.
* واقع التحدى ومآلات الحرب
فى ذات التحليل التنبيهات السياسية والأمنية، ركز وزير خارجية الأردن، على طبيعة الواقع القائم بعد الضربة الإيرانية وما قبلها، واضعًا تلميحات مؤكدة:
* الملمح الأول:
«هنالك متطرفون عنصريون إقصائيون فى الحكومة الإسرائيلية أمثال وزير الأمن القومى الإسرائيلى المتطرف إيتمار بن غفير، ووزير المالية الإسرائيلى بتسلئيل سموتريش وغيرهما من الوزراء الذين يتحدثون بوضوح بأجندة عنصرية متطرفة، ينكرون إنسانية الفلسطينيين ويدفعون باتجاه المزيد من التأزيم، فنحن فى مواجهة هذه الحال».
* الملمح الثانى:
«التحدى الأكبر لنا هو أن نمنع نتنياهو وحكومته التى يشارك فيها متطرفون عنصريون، ويعلم العالم كله أجنداتهم، من استخدام أو توظيف ذلك الهجوم ذريعة للاستمرار فى العدوان على غزة، وحتى فى الذهاب أبعد فى شن هجوم على مدينة فرح».
وقال الصفدى إن تركيز الأردن هو الاستمرار بجهوده على التوضيح للمجتمع الدولى كله أن أساس التوتر وسببه هو ما تقوم به إسرائيل من عدوان على غزة، إضافة إلى كل الإجراءات الأخرى التى قتلت فرص تحقيق السلام.
* الملمح الثالث:
أن تركيز المجتمع الدولى اليوم كان على المواجهة الإسرائيلية الإيرانية، ولم تذكر غزة اليوم فى نشرات الأخبار فى كل المحطات الدولية، معتبرًا ذلك خطرًا يجب التصدى له.
* الملمح الرابع:
أن الأردن، بقيادة الملك عبدالله الثانى، ودولًا شقيقة قاموا بجهود غير منقطعة من أجل تعرية الرواية الإسرائيلية حول ما يجرى فى قطاع غزة، وحشد موقف دولى يطالب بوقف العدوان ووقف كل الممارسات اللا شرعية وكل خروقات القانون الدولى الذى تقوم بها فى غزة.
* الملمح الخامس:
«أمامنا تحدٍ جديد وهو كيف نعيد التركيز مرة أخرى على غزة، نعيد التركيز على سبب الصراع، نعيد التركيز على إنهاء العدوان حتى لا ينجح نتنياهو المدفوع بعقائدية إلغائية بالنسبة للفلسطينيين، والمدفوع بطموحاته الشخصية لإدامة الحرب حتى يحول دون مواجهة تبعات سياساته وإجراءاته».
* زيادة الضغط الإقليمى والدولى والأممى
فى الحراك الأردنى، المتوازن المتوازى مع الحراك فى المجتمع الدولى والأمم المتحدة ومجلس الأمن ومنظمات العالم الإغاثية والإنسانية والثقافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والصحية، أكد وزير خارجية الأردن، أن الأردن، ومثلها دول عديدة، يفعل كل ما يستطيعه ولم يألُ جهدًا إلا وقام به من أجل وقف هذا العدوان ومن أجل نصرة الحق الفلسطينى ومن أجل ضمان إنهاء الاحتلال، وتلبية حقوق الشعب الفلسطينى، لكن الأردن لن يكون قادرًا لوحده على أن ينهى هذا العدوان.
ومن الضرورى التنبية إلى أهمية وقيمة الجهود التى يقودها الملك عبدالله الثانى مع عماد وقيادات المنطقة فى مصر وفلسطين ودول الخليج العربى، «جهود حثيثة لم تتوقف»، قائلًا: «أعتقد أن الموقف الأردنى والجهود التى يقوم بها كان لها أثر فى توضيح حقيقة ما يجرى، لتعرية الرواية الإسرائيلية من خلال التأكيد للعالم بأن ما تقوم به إسرائيل هو ليس دفاعًا عن النفس، بل هو حرب انتقامية مدفوعة عقائدية تبنى على سياسات واضحة للحكومة الإسرائيلية منذ ما قبل السابع من أكتوبر، لقتل فرص تحقيق السلام، والاستمرار فى الاستيطان، ومصادرة الأراضى، والاعتداءات على مدن الضفة الغربية وعلى الفلسطينيين هناك، مشيرًا إلى إرهاب المستوطنين الذى رأيناه السبت بشكل وحشى على عشرات القرى الفلسطينية.
.. عمليًا:
«أمامنا تحدٍ كبير نعمل من أجله، ومستمرون فى هذا الدور وفى ذات الوقت فى حماية الأردن وحماية مصالح الأردن»، و«نحن دفعنا دمًا من أجل فلسطين، ارتقى شهداؤنا على التراب الفلسطينى، نقود جهودًا لا تنقطع من أجل نصرة فلسطين ونصرة الحق الفلسطينى، وجلالة الملك مواقفه واضحة وصريحة، وجهوده واضحة ومباشرة ومؤثرة فى خدمة الحق الفلسطينى».
.. وفى النتيجة، وتصورات الواقع من الأحداث، كرر وزير خارجية الأردن، القول: «رسالتنا لإيران أن مشكلتكم مع إسرائيل ومن غير المقبول ونرفض رفضًا قاطعًا أى محاولة للإساءة للأردن، نحن نريد علاقات طيبة مع كل دول الإقليم، بما فيها إيران، وحتى نصل إلى هذه العلاقات الطيبة يجب احترام الآخر يجب عدم التدخل بالشئون الداخلية، ويجب عدم الإساءة للأردن لأننا لن نقبل لأى كان أن يسىء للأردن»، لافتًا إلى أهمية أنه: «ليس سرًا أن هنالك قضايا عالقة بيننا وبين الإيرانيين، وكنا واضحين وموقفنا واضح بأننا لا نريد تصعيدًا مع إيران لا نريد توترًا مع إيران، نريد علاقات طيبة وعلاقات جيدة مع إيران قائمة على مبدأ عدم التدخل فى الشئون الداخلية، ومبدأ احترام الآخر، وهنالك حوار أمنى مع إيران، والتقيت أنا ووزير الخارجية الإيرانى أكثر من مرة، وكان الحوار بيننا صريحًا، نريد علاقات طيبة لكن من أجل أن نصل إلى هذه العلاقات الطيبة يجب أن ننهى أسبابها، وبعض من أسبابها مرتبط بممارسات تستهدف الأردن، سواء عبر ما نراه من تهريب للمخدرات والسلاح من سوريا إلى الأردن من جماعات مرتبطة بإيران بشكل أو بآخر سواء من هجمات سيبرانية تمت على مؤسساتنا فى المملكة الأردنية الهاشمية وغيرها من التهديدات».
الأردن، وكما هو الحال عربيًا وإسلاميًا وإقليميًا، يريد أن يكون التركيز فى المرحلة المقبلة على منع رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو من الذهاب بالرأى العالمى باتجاه مواجهته مع إيران، وأن ينسى قطاع غزة والجرائم التى ترتكبها إسرائيل ضد الشعب الفلسطينى.
.. وأن ما يحدث فى قطاع غزة من عدوان وخراب ودمار هو السبب الأساسى الذى يدفع باتجاه احتمالات تصعيد التوتر فى المنطقة، وقبل ذلك استمرار الاحتلال الإسرائيلى بسياسته اللا شرعية، واستمرار المنهجية التى يقودها نتنياهو لقتل كل فرص تحقيق السلام يشكل تهديدًا لأمن المنطقة برمتها ولأمن العالم.
.. وفى ذات السياق، عزز الأردن، وفق الخارجية: ندرك جميعًا أهمية أمن المنطقة للأمن الدولى بشكل عام، حيث نتعامل فى منطقة تواجه تحديات من كل الجهات، لكن وعى «شعبنا بحكمة قيادتنا وبقوة مؤسساتنا يجعلنا نتعامل مع هذه التحديات ونخفف من آثارها علينا قدر المستطاع».
.. ما بعد الأحداث التى تجتاح المنطقة، بقيت الحرب العدوانية الإسرائيلية المستعرة على غزة، فى أتون الإبادة الجماعية المعلنة، ومشاريع مخاطر التهجير وتصفية القضية الفلسطينية، ما يستدعى المزيد من التعاون من جوار فلسطين، والمنطقة والمجتمع الدولى، لمنع سياسات السفاح نتنياهو، الذى يريد المزيد من الدمار والدم والإبادة.