مدار الساعة-رانا النِّمرات
يُشاهد العالم عن كثب منذ ستة أشهر ويزيد، فصول الإبادة الجماعية التي ينفذها الاحتلال الصهيوني في قطاع غزة، بدعم منقطع النظير من مؤسسيه وداعميه الغربيين، بينما تذكر رزنامة تاريخ السابع من نيسان بالذكرى السنوية الثلاثين للتَّفكر في الإبادة الجماعية التي نفذها غلاة المتطرفين من قبائل الهوتو في رواندا ضدَّ ابناء جلدتهم من قبائل التوتسي، وراح ضحيتها نحو مليون إنسان.
اختلاف الصورتين بين المجزرتين، يكمن في أن المجزرة الإسرائيلية يرتكبها غاصب أجنبي ضد أهل الأرض في قطاع غزَّة وعموم فلسطين، بينما وقعت الثانية بين أبناء الوطن الواحد وهو ما يسمى الحرب الأهلية التي اطلق شرارتها الاستعمار الغربي في بلدان أفريقيا وسواها من البلدان.
تستنسخ قوات الاحتلال الإسرائيلي نسخة جديدة في ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية في قطاع غزّة، التي تستهدف كل ما هو قائم في القطاع المنكوب.
وفيما يتلذذ الكيان الغاصب في ذبح مزيد من أرواح العرب يوميا ليتاخم عدد الشهداء نحو 34 ألفا، بينهم 14 ألف طفل، و 9220 من النساء، و 457 في الضفة الغربية، إضافة إلى 1049 مُسنّاً.
وسجلت حصيلة العدوان الإسرائيلي 364 شهيدًا من الطواقَم الطبية، و 135من شهداء الصحافة، فيما 246 من الكوادر التعليمية، و 116 طفلا من الضفة العربية إضافة إلى 156 من موظفي الأونروا و 48 من الدفاع المدني، فيما بلغ 7000 عدد المفقودين، و 4700 مفقود من النساء والأطفال منذ السابع من أكتوبر2023 دون رحمة او إنسانية.
تقول المتخصصة في حقوق الإنسان الدكتورة نهلا المومني لوكالة الأنباء الأردنية(بترا)، إن جريمة الإبادة الجماعية إحدى أشكال الجرائم ضد الإنسانية التي كرست العديد من المواثيق الدولية لإدانتها، وفي مقدمتها اتفاقية منع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، إضافة إلى اتفاقيات جنيف الأربع ونظام روما الأساسي.
وأضافت أن هذه الجريمة تنتهك قبل أي شيء القيم الإنسانية الثابتة والمشتركة وتكشف عن خطورة إجرامية كبيرة لدى الدول أو الجهات التي ترتكبها.
وقد شكلت جريمة الإبادة الجماعية ضد التوتسي صدمة للضمير الإنساني دفعت إلى وضع يوم دولي خاص للتفكر في هذه الجريمة وأثرها على البشرية.
وفي السياق ذاته يشكل العدوان على قطاع غزة والجرائم المرتكبة ضد الأفراد صورة أخرى لجريمة إبادة جماعية لم يسبق لها مثيل على مستوى العالم .
وبينت أنه ومنذ بداية العدوان الآثم على قطاع غزة قام المركز الوطني لحقوق الانسان بإعداد عريضة قانونية تتضمن الجرائم والانتهاكات الصهيونية في قطاع غزة ومقاربتها مع القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الانسان، موضحة أنه تم إرسال هذه اللائحة للجهات المعنية كافة، في الأمم المتحدة والمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية وسواهما.
وأوضحت المومني أن المركز رصد حجم الخطر الداهم على منظومة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينيّة المحتلة والمنطقة عموما، جراء الكارثة الإنسانيّة الصّادمة في قطاع غزة، التي تعمل سلطات الاحتلال لإسرائيل على توسيع نطاقها وفق ممارساتٍ ممنهجة.
وشددت على إنّ ازدواجية المعايير في التعاطي مع أيّة قضيةٍ، هو انتهاكٌ مركّبٌ لحقوق الإنسان يوجِدُ مناخاً عالميّاً عامّاً يسوده العدوان إلى حدّ الوحشيّة والتطرف العنيف واتساع ممارسة الانتهاكات وتعميمها وتلقائية تبريرها.
و بالنظر إلى حال قطاع غزة اليوم نتيجة التّغاضي كل يومٍ عن جرائم الاحتلال الإسرائيليّ في الأراضي العربيّة الفلسطينيّة، لكل ما سبق قرر المركز التقدم بهذه المذكرة القانونية لتعزيز دوره في نصرة للحق وحماية النظام الحقوقيّ الاقليمي والعالميّ وليضع المجتمع الدوليّ بأسره أمام مسؤولياته القانونيّة والأخلاقيّة.
وأوضحت أن المذكرة سلطت الضوء على الانتهاكات الممنهجة والمستمرة للقانون الدولي التي ترتكبها سلطات الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين عموما وفي قطاع غزة خصوصا، والتي تقع تحت مرأى ومسمع المجتمع الدولي، والمتمثلة فيما يلي:
أولاً: إنّ الانتهاكات في قطاع غزة تشكّل انقلاباً على الإرث العالميّ لمنظومة حقوق الإنسان، وانتهاكاً مُمنهجاً لفلسفة ومبادئ النظام الحقوقيّ العالميّ.
ثانياً: ترقى جرائم سلطات الاحتلال إلى مرتبة جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانيّة، إذ انطوت ممارسات سلطات الاحتلال في قطاع غزة من قتل للمدنيين وإبادة جماعية وتهجير وهدم المنازل والممتلكات وعقوبات جماعية وغيرها على انتهاكاتٍ جسيمة للقانون الدوليّ الإنسانيّ والقانون الدوليّ لحقوق الإنسان، من خلال عدّة سياقات:
الاستهداف المباشر والمقصود للصحفيين وللطواقم الصحفية: الذي يشكل جريمة حرب ضد المدنيين، كون الطواقم الصحفية مشمولة بذات الحماية المقررة للمدنيين في مناطق الصراع وفقا لاتفاقية جنيف الثالثة والبروتوكول الأول الإضافي الملحق باتفاقيات جنيف لسنة 1977.
كما أنه انتهاك صارخ لحرية التعبير عن الرأي ولحق المجتمع الدولي في معرفة حقيقة ما يجري على أرض الواقع، ليتسنى له الاضطلاع بدوره في حماية المدنيين ومحاولة الحد من النزاع، الأمر الذي يجعل الاعتداء على الطواقم الصحفية معيقا لذلك الدور الهام للمجتمع الدولي.
الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية والقتل، وإحداث الأضرار الجسديّة الخطيرة: يعتبر انتهاكاً لاتفاقيات جنيف الأربع، وبصورة خاصة اتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة بحماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب بموجب المواد (3 و32).
تدمير الممتلكات: يعتبر انتهاكاً بموجب المادتين (32، 53) من اتفاقية جنيف الرابعة، سواء أكانت مملوكة للأفراد أو للمؤسسات العامة أو الخاصة.
النقل أو الترحيل الفردي او الجماعي للأشخاص من مناطق الصراع سواء إلى الأقاليم المحتلة أو غيرها، يعد انتهاكا للمادة (49) من اتفاقية جنيف الرابعة.
العقوبات الجماعيّة و/أو الاقتصاص الجماعي المقترف من قبل سلطة الاحتلال بحق أهالي قطاع غزة أو ممتلكاتهم، تعدّ أفعالاً محظورة بموجب القانون الدولي الإنسانيّ، حيث تشكّل مخالفة صريحة للمادة (33) من اتفاقية جنيف الرابعة التي حظرت العقوبات الجماعية وجميع تدابير التهديد والإرهاب.
الاعتداء على المستشفيات المدنية و/أو الطواقم الطبية يعد مخالفة للمواد (16 و17 و18 و20) من اتفاقية جنيف الرابعة، إذ يجب أن تحظى تلك المستشفيات بالحماية المستمرة ويجب حظر أي اعتداء يقع عليها وعلى أي من الطواقم و/أو الإمدادات الطبية.
إن الاعتداء الآثم على المستشفى العربي الأهلي المعمداني يشكل جريمة نكراء وفق القانون الدولي الإنساني، كما أن الاعتداء على الإمدادات الطبية ومنع وصولها يعد انتهاكا للمادة (17)، ويشكل انتهاكا للالتزام بتوفير ممر آمن لتلك الإمدادات؛ إذ توجب تلك المادة، بالإضافة للمادة (16) الالتزام بتوفير ممر آمن لتلك الإمدادات الطبية ووجوب وضع ترتيبات محلية لنقل الجرحى والمرضى والحوامل والنساء والأطفال والعاجزين وكبار السن، من المناطق المحاصرة والمطوقة وتسهيل مرور أفراد الخدمات الطبية والمهمات الطبية إلى هذه المناطق. ذلك أن اتفاقية جنيف الرابعة تؤكد، وبصورة مطلقة في المادتين (18، 20) منها على عدم جواز الهجوم بأي حال على المستشفيات، وأنّ على أطراف النزاع احترامها وحمايتها في جميع الأوقات، بالإضافة إلى وجوب احترام وحماية الموظفين المخصصين لتشغيل وإدارة المستشفيات المدنية، بمن فيهم الأشخاص المكلفين بالبحث عن الجرحى والمرضى، وجمعهم، ونقلهم، ومعالجتهم.
كما تشكل الاعتداءات المستمرة على قطاع غزة، بما فيها على مقربةٍ من المستشفى الأردنيّ الميدانيّ، وقطع الإمداد بالمواد الطبيّة، ومضاعفة التحديات أمام استمرارية عمل المستشفى الميدانيّ وتقديم واجباته الإنسانيّة، انتهاكا صارخا لتلك المواد من اتفاقية جنيف الرابعة.
استمرار الاعتداء على الأعيان الثقافيّة وأماكن العبادة؛ والمحظورٌ بموجب اتفاقية لاهاي لحماية الممتلكات الثقافيّة، التي حظرت في حالة النزاع المسلح تعريض هذه الممتلكات إلى أي نوع من أنواع الاعتداء، وأكدت ضرورة المحافظة عليها.
كما حظر البرتوكول الأول الملحق باتفاقيات جنيف الأعمال العدائيّة المُوجهّة ضد الآثار التاريخيّة أو الأعمال الفنيّة أو أماكن العبادة التي تشكّل التراث الثقافيّ أو الروحيّ للشعوب.
ثالثاً: يؤكد المركز على وجوب تسهيل الممرات الإنسانيّة لإدخال المساعدات الطبية والإغاثية لقطاع غزة وتوفير الكهرباء والمياه، ويشير بهذا الصدد إلى أنّ عرقلة جهود الإغاثة يشكل مخالفةً للمادة (23) من اتفاقية جنيف الرابعة التي أكدت على إلزامية مرور جميع الأدوية والمهمات الطبية، وكذلك الأغذية والملابس وغيرها.
رابعاً: ترقى الانتهاكات التي تقوم بها إسرائيل مجتمعة إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة جماعية محظورة بالمطلق بموجب المادة الخامسة من نظام روما الأساسي. الأمر الذي يستوجب مساءلة إسرائيل دولياً على مستوى الكيان ككل وعلى مستوى الأفراد
اسرائيل ترتكب جريمة إبادة جماعية مكتملة الإركان
في الإطار ذاته، قال المستشار في مجال حقوق الإنسان الدكتور رياض الصبح ، إن أحد أهداف الأمم المتحدة هو حفظ الأمن والسلم الدوليين وإنماء العلاقات الودية بين الأمم، وتعزيز حماية حقوق الإنسان، وتعد الإبادة الجماعية سلوكا إجراميًا منافيًا لهذه الأهداف، بل تعد جريمة بموجب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
وأضاف ما يجري بغزة هو جريمة إبادة جماعية مكتملة الإركان، إذا عرفت اتفاقية منع الإبادة الجماعية جريمة الإبادة الجماعية بانها إرتكاب أي من أفعال قتل أو إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بالجماعة، وإخضاعها لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كلياً أو جزئياً أو فرض تدابير تحول دون إنجاب الأطفال أو نقلهم عنوة الى جماعة أخرى، ويتم ذك بشكل قصدي بهدف التدمير الكلي او الجزئي للجماعة.
وأوضح أن ما يرتكبه جيش الاحتلال في غزة يتضح فيه القصدية الفاضحة، حيث يتم استهداف المدنيين وبشكل كبير والتي لا يمكن اعتبارها من باب الأخطاء الجانبية المحتملة، كما تم تدمير أكثر من نصف البنية التحتية والمباني المدنية، وتدمير قصدي للمدارس والجامعات والمستشفيات ودور العبادة والطرق وغيرها، واستهداف للصحفيين وبشكل كبير ولطواقم الإغاثة الوطنية والدولية، وتهجير غالبية السكان للجنوب ودعوتهم الى مغادرة وطنهم ومنع المساعدات الدولية من الدخول، وغيرها من الجرائم.
وأضاف: إذا كانت جريمة الإبادة الجماعية التي جرت في رواندا والذي يأتي هذا اليوم تذكيرًا ببشاعة تلك الجريمة، فإنها قد حدثت في عام 1994 في غفلة من المجتمع الدولي، إلا أنه لاحقًا قد تم تشكيل محكمة جنائية دولية بقرار من مجلس الأمن الدولي متخصصة للنظر بتلك الجرائم وقد تم معاقبة الجناة.
أما ما يقوم به الجيش الاسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني فلم يتم بغفلة بل بدعم غربي مطلق، لأن جرائم الاحتلال ممتدة منذ 76 عاما واكثر وهي تتم على مرأى من العالم، خصوصا في حرب غزة الحالية التي يشاهدها العالم عبرالإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، ومع تخاذل بعض الدول وانحيازها للمجرم الا أن غالبية دول العالم بدأت تتكشف لهم جرائمهم وأصبحوا يتعاطفون مع الفلسطينيين، ولكن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لم يحرك ساكنا، فمتى سيتم محاسبة هؤلاء المجرمين الصهاينة ومن يدعمهم من دول بالسلاح وغيره، بل لا بد من محاسبة المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لعدم القيام بدوره.