أخبار الأردن اقتصاديات مغاربيات خليجيات دوليات وفيات جامعات برلمانيات رياضة أحزاب وظائف للأردنيين مقالات مقالات مختارة أسرار ومجالس تبليغات قضائية جاهات واعراس الموقف شهادة مناسبات مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

الثقافة المؤسسية الحكومية


سلامة الدرعاوي

الثقافة المؤسسية الحكومية

مدار الساعة (الغد الأردنية) ـ
إطلاق الحكومة لبرنامج تعزيز الثقافة المؤسسية في القطاع العام يستحق أهمية بالغة ضمن منظومة تحديث القطاع العام، خاصة أنه يُلاحظ أن هناك عائقاً كبيراً يواجه هذا التحديث، وهو غياب ثقافة مؤسسية راسخة التي تدعم مفاهيم التطوير والابتكار.
الحكومة أدركت هذه الحقيقة، وبدأت بإطلاق برامج لتعزيز الثقافة المؤسسية في القطاع العام، لكن هل هذا كافٍ؟ ليس خفياً على أحد أن القطاع العام في كثير من الدول يعاني من ركود وبيروقراطية تحول دون الوصول إلى الكفاءة والفعالية المطلوبة، وفي هذا السياق، يبدو أن الحلول التقليدية لم تعد كافية لمواجهة التحديات الراهنة.
ويتوجب علينا الإقرار بأن تحديث القطاع العام ليس مجرد ترف إداري، بل ضرورة ملحة، والثقافة المؤسسية تؤدي دور العمود الفقري في هذا التحديث، ولكن السؤال المحوري هنا: هل سنرى خطوات عملية لإحداث تغيير جذري في هذه الثقافة؟
أولاً، لا بد من الاعتراف بأن تعزيز الثقافة المؤسسية في القطاع العام يجب أن يتجاوز الشعارات الرنانة والنوايا الحسنة، إذ نحن بحاجة إلى إرادة حقيقية وجريئة تقتحم أسوار الجمود والمحسوبية، ولا يمكن تحقيق تطور حقيقي دون تمزيق الروتين الذي يعيق التحديث والابتكار.
ثانيًا، الحديث عن الأدوات الرقابية الفاعلة يجب أن يترجم إلى واقع ملموس، فلا بد من تغيير الأنظمة الرقابية التي في بعض الأحيان تكون غير كافية، لذلك يتوجب تطبيق مبادئ الشفافية والمحاسبة بكل صرامة، حيث يتم معاقبة المقصرين وتكريم المجدين بشكل علني وواضح، فلا مجال هنا للمجاملات أو التسويف، فالعدالة والكفاءة يجب أن تكونا الأساس.
ثالثاً، القيادات في القطاع العام يجب أن تعي أهمية دورها في هذا التحول، فلا يكفي أن تكون مسؤولا بالاسم، بل يجب أن تكون مثالاً يحتذى به في الالتزام بالثقافة المؤسسية الجديدة، وهذا يتطلب شجاعة لاتخاذ قرارات صعبة والدفاع عنها أمام الضغوط.
رابعاً، تعزيز الثقافة المؤسسية يجب ألا يقتصر على الجوانب النظرية والإدارية فقط، بل يجب أن يشمل أيضاً تحفيز الإبداع والابتكار لدى الموظفين، ويجب أن يشعر الموظفون بأنهم جزء من عملية التغيير، وأن لديهم القدرة على المساهمة بأفكار جديدة تدفع بالعمل العام إلى الأمام. ويجب أن ندرك جميعاً أن الطريق نحو تحديث القطاع العام مليء بالتحديات، لكن البدء بتعزيز ثقافة مؤسسية راسخة وفعّالة هو الخطوة الأولى والأهم، وعلى الحكومة أن تتحلى بالشجاعة والعزم للمضي قدماً في هذا الطريق، مع التأكيد على أن التأخير في التحرك يعني تراكم العقبات وزيادة تكلفة التغيير مستقبلاً.
ولنكن واضحين، الحاجة إلى ثقافة مؤسسية قوية في القطاع العام ليست مجرد رفاهية، بل ضرورة ملحة، ولا يمكن للقطاع العام أن يكتفي بالعمل وفق النماذج القديمة المتبعة؛ فالعالم يتغير، ومعه يجب أن تتغير الطرق التي ندير بها المؤسسات الحكومية.
وبالنهاية، البرامج التي تطلقها الحكومة لتعزيز هذه الثقافة يجب أن تكون شاملة ومتجذرة، ولا يكفي الإعلان عن مبادرات دون العمل بجدية على تغيير الثقافة المؤسسية من الأساس، فالأمناء والمدراء العامون، كما ذُكر، هم على خط المواجهة في هذا التغيير، لكن دورهم يجب أن يتعدى مجرد الإدارة إلى قيادة حقيقية تحفز على الابتكار والتطوير.
مدار الساعة (الغد الأردنية) ـ