أسوق هذه المقدمة للإشارة إلى نقطة هامة وهي أن اختلاف وجهات النظر والآراء يحتاج إلى الإصغاء ولغة الحوار والفكر الناضج، بعيداً عن التعصب والغوغائية لأن أصحاب هذه السلوكيات يسلمون إرادتهم لمن يستطيع أن يؤثر عليهم ويوجههم حسب إرادته وأهدافه الخاصة، وهي أهداف لا تخدم الوطن قيد أنملة، بل قد يكون المواطنون ووطنهم مستهدفون تحت غطاء أهداف خفية.
ومن هنا، فإن الاختلاف أمر طبيعي لكن اختلافنا مع الوطن أمر مرفوض وغير مقبول، واختلافنا في الشؤون السياسية كذلك امر طبيعي لكن يجب أن لا يتحول هذا الأمر إلى خلاف شخصي وعداء وصراع وقطيعة، فالاختلاف يجب أن يكون في حدود الواقعية والقيم والمثل العليا ولا يتجاوز حدود ديننا الحنيف، بأن يتجاوز إلى التخريب والتدمير وإيذاء المواطنين والوطن بشكل لا يقبله العقل ولا يتوافق مع أي ديانة سماوية.
ما يحدث في منطقة الرابية وبالأخص في محيط السفارة الإسرائيلية من وقفات تضامنية مع الأهل في غزة، يعتبر أمر مقبول ولا خلاف عليه، فالدولة الأردنية بكل أطيافها تدعم وتساند فلسطين بكل ما أوتيت لوقف الحرب الإجرامية عن غزة، حيث أن رأس الدولة -جلالة الملك عبدالله الثاني- جهوده مستمرة على كافة الأصعدة لإيقاف الحرب، ومن ثم استعادة الشعب الفلسطيني كامل حقوقه المسلوبة.
وفق ذلك فإن موقف الدولة الأردنية والشعب يتماهيان مع بعضهما بعضا، فلما تظهر بين الحين والأخر سلوكيات حادة من المتظاهرين تجاه رجال الأمن الذي يسعون بكل طاقاتهم للمحافظة على أمن الوطن والمواطنين؟ ولما يحاول البعض تجاوز القوانين في محاولة لتدمير منشأة تعبيراً عن غضبه؟ وما ذنب أهالي منطقة الرابية الذين باتوا غير قادرين على العيش في بيئة مناسبة نظير الوقفات الاحتجاجية المتكررة و التي لا تخلو من "الهتافات" المرتفعة والأصوات العالية التي تقلق راحة أهالي المنطقة الذين فيهم المريض وكبار السن والأطفال وطلبة المدارس والجامعات والموظفين؟ ما يدعوا إلى ضرورة أن نعيد الفكر والنهج في الوقفات الاحتجاجية، ونبتعد عن التأثر بكل ما نسمع من أخبار يقصد منها زيادة حالة الشد العصبي وإحداث بلبة في الوطن.
من المنطق أن يدافع كل منا عن وجهة نظره ورأيه ويحاول إقناع الآخرين بها، الإ أن أرباك شؤون المواطنين، فهذا أمر غير مقبول وعدم تقبل الرأي الآخر يعد موقف سلبي وغير مشروع، فالصواب أن ننتقد سلوك بعضنا من أجل تصحيح وتصويب الأخطاء بما يخدم المصلحة العامة وليس من أجل النيل من بعضنا، فالمفروض أن نكون الأفضل والأميز في كل حال وشأن بهدف أن نعكس صورة إيجابية ومشرقة عن تماسك الشعب والدولة وانصهارهما في بوتقة واحدة، لا أن نشرخ هذا التماسك بحجج غير مقبولة لا تقدم ولا تؤخر لأهلنا في غزة، الذين هم بحاجة لكل ما يساعدهم من مواد غذائية وطبية لتجاوز ما يمرون به من ظروف قاهرة.
ختاما، في الوقفات الاحتجاجية هناك نقاط يجب أن نراعيها ويجب علينا أن نحتكم فيها إلى ديننا وعاداتنا وتقاليدنا، وإلى أهل الخبرة والمعرفة لا أن نجعل من الوقفات التضامنية ساحة لخلق الفرقة واستباحة إيذاء المواطنين وممتلكاتهم، وإيذاء رجال الأمن الذين ابتعدوا عن أسرهم وعائلاتهم في الشهير الفضيل ليقوموا بواجبهم على أكمل وجه بعد أن نذروا أنفسهم وحياتهم للحفاظ على أمن وطمأنينة الوطن والمواطنين.