.. هي شهادة بأن الثقافة والفكر والفنون، سلاحنا وأدواتها دلالة على قدرتنا، خوض معالم التنوير والوعي، ودعم أهلنا في قطاع غزة، وهم الأشقاء الذين تمارس عليهم دولة الاحتلال الإسرائيلي الصهيوني، أبشع الحروب في التاريخ، وأكثر مجاعات وأهوال الإبادة في الألفية الثالثة من عمر الكون.
.. *هيفاء النجار.. صعوبة مواجهة الواقع.
تمتلك الإنسانة التربوية المثقف، حاضنة التنوير والوعي، وزيرة الثقافة الأردنية هيفاء النجار، قدرات على التواصل وإبداع جوانب المحبة، ومواكبة الحدث، وهي تمضي يومها في حراك ثقافي مؤثر، ينطلق من سردية أردنية وطنية وقومية، تريد لها الوزيرة النجار أن تنظر للحدث من دوره كدافعية واستراتيجية لجعل الإبداع الأردني والعربي، على تماس مع ما في غزة من معاناة، لهذا قالت هيفاء النجار الانسانة، الوزيرة، ما في قناتنا مثقفين وفنانين وفرق ومحركات إنسانية، عن قوتنا الكامنة، رغم الصعوبات، أو المفروض أن نقدمه من آداب وفنون ثقافات تعبر عن الحال في قطاع غزة وأهلها، رغم الحرب ووحشيتها الصهيونية القذارة.
قالت في كلمة مهمة لها، خلال رعايتها الاحتفائية التي دعت إليها مديرية المسرح والفنون البصرية وحضرها عدد كبير من الفنانين والمهتمين: "يصعب علينا أن نقول شيئا في يوم المسرح العالمي في ظل الأوضاع التي تعيشها غزة وأهلها".
.. وهنا، نجد المسرح، ضمير الفنون الكونية، يجترح الأحداث، ويطلق العنان، ودخلنا في دلالات مهمة عن دور القنون والثقافة الوطنية في ان نجعل من صعوبة التعبير المباشر، أداة لأن نقول عبر خشبة المسرح عن غزة الريحة، عن محو العالم وفق الإبادة الإسرائيلية الصهيونية، التي حول غزة إلى مسرح كبير للانتقام من فلسطين وتصفية القضية الفلسطينية، وتهريب العالم.
*.. الثقافة حق وموقف.
.. أجل، هناك صعوبة، واجبنا ترميم الحال، وتقديم كل إمكاناتنا والمساعدات لأهلنا في غزة، وأنا كباحث ومحلل في الاستراتيجيات الثقافية، أعي أهمية أن تقول وزيرة الثقافة في الاردن:"يصعب علينا أن نقول شيئًا، في يوم المسرح العالمي في ظل الأوضاع التي تعيشها غزة وأهلها".
.. وهو بيان يصرح لنا، أن نتهيأ للفعل الثقافي الوطني القومي، لنضع رؤيتنا وإبداعاتنا، تنطلق في اللحظة القادمة، نؤرخ بالمسرح والشعر والرواية والمقابلة والفنون التشكيلية والملصقات، حال عالمنا، بعد غزة التي لا بد أن تتحرر، وتطلق آفاق الإبداع والثقافة الإنسانية.
قادت الوزيرة النجار، احتفالية وزارة الثقافة الأردنية باليوم العالمي للمسرح والذي يصادف في 27 آذار من كل عام، وتلك العيون الواعية، نظرت إلى مستقبل دور وواجب الفنون في التعبير عن قضايانا الوطنية والعربية والعالمية، وكان ذلك عبر ساحة مديرية المسرح والفنون البصرية ومسرح أسامة المشيني في عمان.. وفيها قالت النجار إن: المسرح هو الحياة مهما تقدمت العلوم والتكنولوجيا، مبينة أن المسرح يمثل في مضامينه وثناياه؛ قيم الحق والخير والجمال.
*
. مع وقفة وزيرة الثقافة، كان نقيب الفنانين الأردنيين المخرج محمد يوسف العبادي يقول إن الخير ضد الشر والحق مضاد للباطل، مؤكدا أن ما يجري في غزة منافٍ للإنسانية بكل أشكالها.
.. وفي بهجة كل هذا الحب والجمال وتلمس رسالتنا الثقافية؛ لتكون مؤشرا على رفض الحرب والإبادة الجماعية، وإيقاف الحرب عن أهلنا في غزة، قال نائب نقيب الفنانين الفنان زهير النوباني، ما ادخره الفن، فقرأ في مستهل الاحتفائية الترجمة العربية لرسالة اليوم العالمي للمسرح
التي كتبها الكاتب المسرحي النرويجي مديرية المسرح والفنون البصرية جون فوس" لعام 2024 التي قال فيها:"الأمر بسيط تماما، تتعارض الحرب والفن كما تتعارض الحرب والسلام".
واشتملت الاحتفائية على عرض مسرحي بعنوان "أنثى النور" في ساحة المديرية وهو نتاج ورشة طلبة قسم الفنون المسرحية في الجامعة الأردنية بإشراف الدكتور فراس الريموني، وتلاه عرض مسرحية "أمل في شارع البتراء" إخراج الشاب نجم الدين الزواهرة وعرضت على مسرح أسامة المشيني.
الفن هو السلام
*.. الفن هو السلام.. حكمة جون فوس
كل شخص هو متفرّد، وفي نفس الوقت يشبه أي شخص آخر. إن تفرّد الشخصية والمظهر الخارجي يمكن أن يشاهدا بشكل واضح، هذا صحيح، لكن يوجد أيضا شيء ما داخل كل شخص يميّزه لوحده، فقط لهذا الشخص، يمكن أن نسميها نفس أو روح أو نحن لا نحتاج لوصفها بالكلمات، ولكن رغم اختلافنا جميعًا عن بعضنا البعض، فإننا متشابهون أيضًا. الناس من كل أنحاء العالم هم متشابهون بشكل أساسي مهما كانت اللغة التي يتحدثون بها أو لون بشرتهم أو شعرهم. قد يكون هذا بمثابة مفارقة، أننا متشابهون تمامًا ومختلفون تمامًا في نفس الوقت. ربما يكون الإنسان متناقضًا بشكل جوهري، في هذه الفجوة بين الجسد والروح، بين ما هو أرضي وجوهري وما يتجاوز الحدود المادية الراسخة.
لكن الفن؛ الفن الجيّد، ينجح بطريقته المُعجِزة في الجمع بين الفريد تمامًا وما هو كوني. نعم، فهو يتيح لنا أن نفهم ما هو المختلف، الفريد والغريب. يمكن للفن أن يُفهم بشكل كوني فيخترق بذلك الحدود وكل مناطق العالم والدول، وهكذا فهو لا يجمع بين الصفات الخاصة بكل فرد فحسب، بل أيضًا وبمعنى آخر الخصائص الفردية التي تشترك فيها مجموعة من الناس، الأمم مثلا. والفن لا يجعلها كلها متماثلة بل بالعكس فهو يبرز إختلافها. نعم، كل ما هو غريب في كل فن جيد يحتوي على وجه التحديد على الغريب الذي لا نستطيع فهمه تمامًا، ومع ذلك نفهمه في نفس الوقت بطريقة ما. هل يمكن القول أن كل ما هو غامض يبهرنا أو يدفعنا إلى ما هو أبعد من حدودنا؟ وبذلك يخلق السمو الذي يجب أن يحتويه الفن في حد ذاته ويقودنا إليه.
لا أعرف طريقة أفضل للجمع بين الأضداد. هذا بالتحديد على عكس الصراعات العنيفة التي نراها غالبا في العالم في محاولاتها التدميرية التي تسعى لإبادة كل ما هو غريب، فريد ومختلف. غالبًا، عند استخدامنا أكثر الاختراعات اللاإنسانية التي قدمتها لها التكنولوجيا، يتحول هذا الإستخدام إلى إرهاب، إلى حرب، فالناس لديهم أيضا جانب حيواني مدفوعين بالغريزة، لذلك فإن الآخر، الغريب، لا يعتبر غريبا وساحرا فحسب، بل كتهديد لوجودهم. إن المتفرد والمختلف لا يظل كذلك بل يتحول إلى هوية جمعية يعتبر فيها المختلف تهديدا يجب التحكم فيه، وما يعتبر من الخارج إختلافا مثل الذي بين مختلف الديانات أو الأيديولوجيات أو السياسات يصبح شيئًا يجب القضاء عليه.
الحرب هي صراع ضد ما يكمن في أعماقنا، ضد ما هو متفرّد وهو أيضًا صراع ضد الفن، ضد جوهر كل فن.
لقد اخترتُ أن أتحدث هنا عن الفن بشكل عام، وليس عن الفن المسرحي على وجه الخصوص، لأن كل فن جيّد – كما قلت – يدور في عمقه حول نفس الشيء ويتعلق الأمر بضمان أن يصبح ما هو متفرد تمامًا، ومتميز تمامًا ببعد كوني.
نحن نجمع بين المتفرّد الكوني في تعبيره الفني.
الأمر بسيط تماما، تتعارض الحرب والفن كما تتعارض الحرب والسلام.. "الفن هو السلام".
.. مع فويس.. وهيفاء النجار والعبادي النوباني.. وكل مبدع، نردد:
"الفن هو السلام".
.. وأيضا:
الحرب هي صراع ضد ما يكمن في أعماقنا، ضد ما هو متفرّد وهو أيضًا صراع ضد الفن، ضد جوهر كل فن.