تواصل الدوائر الصهيواميركية.. السياسية والعسكرية وخصوصاً الاستخبارية مساعيها المحمومة لخلق وقائع ميدانية وسياسية جديدة في قطاع غزة, تروم من ورائها ليس فقط دفن القضية الفلسطينية وتصفيتها عبر فصل القطاع الفلسطيني (أو ما سُمي بعد اتفاق أوسلو الكارثي «المحافظات الجنوبية», عن الضفة الغربية المحتلة/المحافظات الشمالية، خاصة بعد فشل مشروع نتنياهو الرامي تكريس هذا الانفصال طوال سبعة عشر عاماً, إثر الانقسام الذي حصل بعد سيطرة حركة حماس على القطاع، الأمر الذي سيسمح للدولة الاستيطانية العنصرية بضمّ الضفة الغربية وبخاصة المنطقة «ج» وفق تقسيمات أوسلو، كما خطط نتنياهو وحلفاؤه في اليمين الفاشي الصهيوني..
وإذ تم تسريب «سيلٌ» من المخططات والقراءات الصهيونية, لـ«اليوم التالي» لإنتهاء حرب الإبادة والتجويع والتدمير الصهيوأميركية, ومنها خاصة «فصل» شمال القطاع عن جنوبه وإقامة منطقة عازلة, فضلاً عن شق «أوتوستراد» يقسم القطاع الفلسطيني إلى شطرين.. شمالي وجنوبي (طوله «8» كم, تبدأ من مستوطنات غلاف غزة وتنتهي بشاطئ البحر) ناهيك عن سيطرة عسكرية وأمنية صهيونية, لمدة لا تقل عن عشر سنوات (بدون سيطرة إدارية, حيث ستتولى «عشائر» فلسطينية إدارة القطاع كما خططت تل أبيب). زد على ذلك كله «الفخ» الجديد الذي نصبته الولايات المتحدة شريك حرب الإبادة والتجويع الصهيونية (بما هو أصلاً «فكرة» نتنياهو) ونقصد الميناء العائم على شاطئ غزة الذي يفتقر إلى العمق الذي يسمح للسفن بالرسو.
ميناء خرج به على العالم «فجأة» الرئيس الأميركي/بايدن, بذريعة «إغراق» غزة بالمساعدات, فيما ميناء اسدود الذي طالما تدفقت منه المساعدات, لا يبعد سوى كيلومترات قصيرة, أما الهدف اصهيوأميركي غير المُعَلن ولكن المكشوف, ليس فقط منح إسرائيل المزيد من الوقت لمواصلة حربها الوحشية على القطاع، بل خصوصاً لإحياء مشروعات تصفية القضية الفلسطينية عبر «إغراء» الغزّيين بالهجرة «الطوعية» والمُيسّرة, بلا تأشيرات أو تعقيدات الحدود البرية, ما يسمح لهما/تل أبيب وواشنطن بالسيطرة على ثروات «بحر غزة» النفطية والغازية, التي تؤكد التقارير أنها تحتوي على احتياطي كبير بعوائد «ملياريّة.
في مشهد خطير ومُفزع كهذا, يجدر بنا إستعادة ما تم بثّه في الأسابيع القليلة الماضية, عن رفض روابط عشائرية غزِيّة عديدة التعاطي مع المقترح الصهيوني, وأيضاً ما راج إسرائيلياً من اتهامات لحركة حماس بتصفية «إثنين» من زعماء عشائريين، قيل أنهما إنتويا التجاوب مع المقترح الصهيوني، لكن حكومة نتنياهو - في ما يبدو - لم تستسلم وقرّرت المُضي في تنفيذ مُخططها هذا, «تسليح» مَن يتجاوب معها من زعماء العشائر الغزية, بـ«المسدسات» ما «يضمن» لهم الدفاع عن أنفسهم, إستعداداً للقيام بمهمتين أساسيّتين, الأولى «إدارة» القطاع, والثانية توزيع المساعدات.
أما «إسرائيل» في تكاد تُوشك على إستكمال تهيئة الأجواء, وتوفير كل ما يُسهم في إنجاح دور ومهمة الذين قبِلوا التعاون معها في مشروعها التصفوي الخطير هذا. ليس فقط في ما سرّبته عن موافقة بل حماسة أميركية لمخططها العتيد, الرامي إلى «عدم» السماح بعودة الأوضاع في غزة, إلى ما كانت عليه في السادس من أكتوبر وحُكم حماس للقطاع (أي قبل طوفان الأقصى), بل خصوصاً بعدما أبلغت حكومة نتنياهو يوم أمس, مُدير عام وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين/الأونروا فيليب لازاريني, الأممية بأنها «لن توافق بعد الآن على إرسال قوافل غذائية تابعة للوكالة إلى شمال قطاع غزة.
وإذ وصفَ السيد لازاريني القرار الصهيوني بأنه «أمر مُشين يُشير إلى تعمد عرقلة المساعدات المُنقذة للحياة, وسط مجاعة من صُنع الإنسان. داعياً إلى رفع هذه القيود. علماً أن دولة العدو الصهيوني «مَنعتْ» السيد لازاريني من الدخول إلى غزة قبل ذلك, عندما كان في زيارة إلى القاهرة, صرَّح «بعد منعه": من خلال منع «أونروا» من الوفاء بتفويضها في غزة، فإن الساعة ستتحرك بشكل أسرع نحو المجاعة, وسيموت كثيرون من الجوع والجفاف وعدم وجود مأوى». فإن الولايات المتحدة لم تعلق على قرار تل أبيب منع الأونروا من إرسال قوافل غذائية إلى شمال غزة, ما بالك ان إدارة بايدن نفسها هي التي «بادرتْ» إلى تعليق مساهمتها في موازنة الأونروا السنوية, بذريعة مُفبركة من حليفتها الصهيونية بأن «12» موظفاً في الوكالة الدولية شاركوا في عملية طوفان الأقصى, ما لبثت غالبية الدول الغربية كما اليابان واستراليا وكندا, أن تبعتها وعلّقت هي الأخرى مساعداتها, ولم تقف الأمور عند هذا الحد بل قام الكونغرس الأميركي بإقرار تشريع, منع بموجبه الإدارة الأميركية من تقديم أي"سنت» للأونروا حتى 31 آذار 2025.
ماذا عن العدو الصهيوني و«تسليح» عشائر من غزة بالمسدسات؟.
ذكرت القناة/11 الصهيونية: أن رؤية المؤسسة العسكرية «تُرجِح» أنه من دون وجود عشائر مُسلحة في غزة، لا تنتمي لحماس، فإنه سيكون من المستحيل خلق بديل للحركة، التي تسيطر على المساعدات وتحاول استعادة السيطرة شمال ووسط القطاع.
كما لفتت إلى أن قضية تسليح غزِّيين وزعماء عشائر محليين ستُطرَح ً خلال اجتماع وزير الدفاع/غالانت مع نظيره الأميركي/أوستن. وثمة احتمال أن يوافق الأميركيون على إدخال «المسدسات» بإشراف إسرائيلي إلى العشائر في غزة، كما أن «اختيار» تلك العشائر يخضع لإشراف إسرائيل.
لكن بن غفير/وزير الأمن القومي، لم ينتظر وسارعَ لمهاجمة المؤسسة العسكرية قائلاً: إنها ترتكب خطأ «جديداً» وتريد «تُسلّيح» الغزيّين، ولم تتعلم من دروس السابع من أكتوبر.