من بين ما كشفه العدوان الاسرائيلي الأثم على قطاع غزة، حجم الاستهداف الذي يتعرض له الاردن، والذي لن يغيب عن بال من يرغب بالقراءة مابين السطور، فبالرغم من انه من الواضح البين ان الأردن قيادة وشعبا هو الاكثر التحاما مع اهل غزة وسعيا لوقف الحرب الأثمة عليها،غير ان حدة استهداف الأردن زادت خلال هذا العدوان ،علما بأن الاستهداف لايكون بالضرورة من خلال عمل حربي خشن، فقد حلت محل الحروب الخشنة، حروب ناعمة تسمى الجيل الرابع والخامس من الحروب، وهي حروب الإعلام والحرب الإلكترونية التي تهدف إلى اضعاف المجتمع من الداخل وهدمه بدون دماء، حيث يلعب تشويه الصورة دورا محوريا في هذه الحرب، ففي كثير من الأحيان يكون التجاهل أو تشويه الموقف، اوسؤ تفسير العمل اشد خطرا من العدوان الخشن، علما بأن تشويه الموقف او سؤ تفسيره يدخل في باب الاغتيال المعنوي الذي يمهد للاغتيال المادي لا سمح الله.
الأمثلة على استهداف الأردن اكثر من ان تحصى، وهو استهداف زادت حدته خلال العدوان على غزة، فمن الأمثلة في باب التجاهل لمواقف الأردن ان وسائل اعلام تصر وهي تتحدث في تقاريرها عن دخول مساعدات الإغاثة الاردنية الى غزة، تتجاهل ذكر الاردن كمصدر لهذه المساعدات كما حدث عند دخول المساعدات الأردنية الى مخيم جباليا على سبيل المثال لا الحصر، حيث اصرت تقارير هذه الوسائل على عدم ذكر الأردن كمصدر لهذه المساعدات، رغم ان العلم الأردني سيكون واضحا على بعض طرود هذه المساعدات لمن اراد التدقيق، ورغم ان معدي ومقدمي هذه التقارير الإعلامية يعلمون علم اليقين ان الاردن هو من ارسل هذه المساعدات، ومع ذلك يتجاهلون هذه الحقيقة، وهي ممارسة تكررت كثيرا من وسائل اعلام بعينها، رغم ما في ذلك من خروج عن آداب المهنة وتقاليدها، ولكن هذا الخروج يصبح مباحا مادام يخدم مخططا بعينه، هو هنا مخطط استهداف الأردن من خلال إنكار دوره وجهده.
ومثلما يتم انكار دور الأردن الرسمي في اغاثة اهل قطاع غزة، يتم كذلك تجاهل مطلق للجهود الشعبية الأردنية في اغاثة غزة كما يفعل حي المعانية في عمان وكثير من المبادرات الشعبية التي قامت بها مدن وعشائر اردنية لإغاثة أبناء غزة، دون ان يكون لها حضور اعلامي عند هذه الوسائل الإعلامية التي تستفيض في الحديث عن ماهو اقل بكثير من هذه الجهود الشعبية الأردنية ؟!.
اقسى من انكار دور الاردن في إرسال المساعدات الإنسانية الى الاهل في قطاع غزة، مايجري بالنسبة للإنزالات الجوية لإغاثة اهل غزة، والتي يقوم بها سلاح الجو الملكي الأردني، ففوق ان هذه الوسائل الإعلامية تتجاهل هذه الانزالات فان بعضها الاخر يقدم لها تفسيرا مسيئا، يلتقى مع ماتقوم به بعض جيوش الذباب الإلكترونية من سؤ تفسير لعمليات الإنزال، بل ومهاجمتها، وهذا أيضا مما في يصب في خدمة مخطط استهداف الأردن.
ومثلما يتم تهميش او تجاهل الدور الأردني في اغاثة الاهل في قطاع غزة، يجري كذلك تهميش المسيرات والاعتصامات المتواصلة التي يقوم بها الاردنيون نصرة لاهلهم في غزة، ففي الوقت الذي تفرد فيه هذه الوسائل الإعلامية مساحات واسعة من شاشاتها واوقاتها لمسيرات تجري في دول اخرى، فإنها بالكاد تشير الى المسيرات الأردنية وغالبا ماتكون صورة المسيرات الاردنية محصورة في كادر في زاوية من زوايا هذه الشاشات، مع تركيز الكميرا بعيدا عن النقطة المركزية للاعتصام او المسيرة حيث تكون كثافة المشاركيين، او ان هذه الوسائل تركز على تواجد رجال الأمن العام الأردني دون ان تفسر انهم يحمون أمن المسيرات والاعتصامات والمرافق العامة، بخلاف ماتفعله هذه الوسائل مع اعتصامات و مسيرات تجري في دول أخرى للتضامن مع غزة، حيث تتعمد تصوير هذه المسيرات والاعتصامات من نقطة مرتفعة لاضهار طولها وحجمها في ممارسة مهنية غير بريئة.
ومثلما يجري تجاهل اوتهميش دور الأردن في اغاثة ابناء غزة عبر البر والجو، وكذلك عبر تهميش مسيرات و اعتصامات الاردنيين المناصرة لغزة، يجري كذلك تهميش جهود الدبلوماسية الاردنية المتواصلة لوقف العدوان على قطاع غزة، والتي تكاد تكون هي الجهد الوحيد المستمر والمتواصل مع مختلف القوى الفاعلة على الساحة العالمية من اجل وقف اطلاق النار في قطاع غزة.
ومن صور تجاهل مواقف الأردن وانجزاته ان بعض هذه الوسائل الاعلامية احتفت خلال الأيام القليلة الماضية بالذكرى العشرين لاستشهاد الشيخ احمد ياسين بالحديث عن محطات في حياته، متجاهلة واحدة من اهم هذه المحطات، وهي اصرار الأردن بقيادة جلالة المغفور له بإذن الله الملك حسين على اطلاق سراح الشيخ من سجون الاحتلال الإسرائيلي، واحضاره الى الأردن لمعالجته ثم اعادته الى غزة، وهو ماتم بالفعل حيث التقى الشيخ ولاؤل مرة مع خالد مشعل الذي كان يشغل موقع رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، وكذلك غيره من قادة حماس في الخارج، كما التقى الشيخ أيضا في عمان وبجهود اردنية مع المرحوم ياسر عرفات رئيس اللحنة التنفيذية لمنظمة التخرير الفلسطينية القائد العام لقوات الثورة الفلسطينية، وهي لقاءات ماكانت لتتم الا على أرض الاردن وبجهود اردنية، يجري تجاهلها في اطار مخطط استهداف الأردن.
يأتي استهداف الأردن من خلال تجاهل او تهميش جهوده الدبلوماسية والاغاثية او من خلال سؤ تفسيرها والهجوم عليها بالتوازي مع تهديدات اسرائيلية متلاحقة، تارة بتعطيش الاردنيين من خلال منع المياه عنهم، وتارة اخرى بالتهديد باحتلال أراضيهم.مما يثير المثير من علامات الاستفهام.
خطورة كل صور الاستهداف التي قدمناها في الفقرات السابقة تأتي في ظل عدم لامبالاة عند الكثير من اجهزتنا و مؤسساتنا، وعدم جهوزية اردنية في كثير من الجوانب، من اهمها عدم وصول صوت الاردن الى محيطه الإقليمي ولا الى الفضاء العالمي، نتيجة لسياسة اضعاف ادوات الاردن الإعلامية، ونتيجة لعدم وجود خطاب اعلامي وطني مجمع عليه، يحمل رسالة الاردن وينشر مواقفه ويعرف بجهوده، فقد حل محل ذلك كله خطاب محلى ملئ بالانشاء خالي من المضمون، لايصلح في زمن يستهدف به الوطن.