مدار الساعة - كتب: محمد عبدالكريم الزيود
هي فرصة أن تكون برفقة نسور سلاح الجو الملكي ونشامى سرية العمليات الجوية / العمليات الخاصة، وتطّلع عن قرب على جهودهم الإنسانية في الإنزالات الجوية لأهلنا هناك في قطاع غزة.
تشعر بالأمان وهو شعور يخالطه الفخر بالجهود الأردنية التي لم تنقطع منذ السابع من تشرين أول من العام الماضي لحظة العدوان على غزة..
كيف ولا وأنت في حضرة الجيش العربي الذي منذ تأسيس المملكة كان السباق لنجدة الأشقاء والأصدقاء في أوقاتهم الصعبة، وكانت الطائرات الأردنية والمستشفيات الأردنية وكتائب حفظ السلام الأردنية هم أيدي الخير والغوث لهم في محنهم عندما مال الزمان بهم.
أقلعت طائرة C130 الأردنية ومعها رفيقتها الأخرى من القاعدة مشاريق الزرقاء، تحمل ما جادت به أيدي الأردنيين غوثا لأهلنا في غزة، النشامى منذ الفجر يحمّلون الطائرة، ويتأكدون من الأربطة ، ويحكمون شد الأحزمة ، صائمون في يوم جمعة، لا يعرفون العطلة والناس نيام، وهل ينام العسكر ، كلا، دائمون مستيقظون، جاهزون لنداء الواجب.
نشامى سرية العمليات الجوية / العمليات الخاصة متناغمون مع فنييّ سلاح الجو ، في زحمة الضجيج وصوت محركات الطائرة التي تطير فوق الغيم، يتواصلون بالإشارات، لغة إتصال واحدة، يعرفون التوقيت ويحفظون تضاريس الأرض ، ربما هي لغة القلب الواحدة، أن الأردن وفلسطين كضفتي القلب، تعبر من حجرة إلى أخرى .
بعد ٤٥ دقيقة كُنّا فوق شاطئ البحر المتوسط، ينتظر الطيار أن يدخل منطقة الإنزال ، وكانت هذه المرة جنوب قطاع غزة ، تنظر من الشبابيك ، ترى بقايا البيوت، مربعات سكنية تم تدميرها، شوارع فارغة، يعتصرنا الألم ولا نملك لهم إلا الدعاء بالصبر والفرج ، ونحمل لكم القليل من الزاد ..
فُتح الباب الخلفي للطائرة، النشامى أزالوا الأربطة، وتأكدوا من حبال المظلات، قائد السرية عينه على الأرض كالصقر من فتحة الباب، كأنه يعد التلال والهضاب شبرا شبرا، ثم جاءت لحظة الإنزال، رأيت ورأت مدار الساعة وجوه العسكر مبتسمة والمظلات تفتح واحدة تلو الأخرى، وأنها ستنزل بسلام في مناطقها المحددة.
إستدار الطيار نحو الشرق، وقلوبنا لم تستدير، ظلت وعيوننا معلقة بالبيوت والبحر هناك، نعم نجحت المهمة اليوم ، وربما يقولون لي من رافقتهم، يزول التعب كلما شعرنا أننا نقدم لهم ما يبقيهم على قيد الحياة ويدعم صمودهم .. قلت لهم، ونحن عائدون، ستعودون لأهاليكم الليلة، قال لي أحدهم وكان مبتسما : سنجهز لإنزال جديد يوم غد، هذا هو الإنزال ال ٥٥ أشارك به، وأعود لعائلتي بعد اسبوعين في الدوام..
هو رباط في سبيل الله ما يقوم به هؤلاء النشامى ، بعيدا عن أعين الكاميرات وعن الأضواء، وأعرف أن تعبهم وسهرهم لليالي ليزول كلما نجحوا في إنزال جديد للأهل هناك، وهذا ديدن الجيش العربي الذي لم يخذل القريب والبعيد والشقيق والصديق.
نزلت بنا الطائرة بعد رحلة إستمرت ساعتين، في رفقة النشامى، كل الأماكن أمينة، لكن الأكثر أمنا عندما تكون برفقة هؤلاء الرجال، كل شيء محسوب بدقة، وكل شيء مخطط له، لا مجال للاجتهاد، ولا مجال للخطأ، والواجب مقدس والأجر على الله .
ودعتهم على باب الطائرة، صافحتهم واحدا واحدا، حفظت الأسماء هم من شمال الأردن وجنوبه وشرقه وغربه، فالشكر كل الشكر لفرسان وأبطال الرحلة اليوم، من سلاح الجو…
دمتم ودام وطننا الأردن وجيشنا العربي بخير