حُقَّ لنا نحن الأردنيون أن يكون لنا مع آذار من كل عامٍ وقفات مع النصر وتجليات مع الفرح، ففيه من المناسبات العابقة بكل فخر وإباء وإكبار والتي سطرتها القيادة الهاشمية بتلاحم تام وانسجام مطلق مع الشعب الأردني الأبي، ففي الأول من ذكرى تعريب قيادة الجيش، وفي الحادي والعشرين ذكرى معركة الكرامة التي مضى عليها يوم أول من أمس ستة وخمسين عامًا، وفيها خلّد نشامى الجيش العربي أروع البطولات الانتصارات على ثرى الأردن الطهور بعدما كانت نقطة مفصلية هامة في تاريخ امتنا العربية حينما دحرت قواتنا الباسلة العدو وقوضت أركانه يوم حاول استباحة ارض عربية أردنية هي في موقع القلب في نفس كل أردني غيور.
لقد كانت معركة الكرامة امتحانا تمكن الأردن بصمود قيادته وبأس جيشه من اجتيازه بامتياز وأثبتت للقاصي والداني قدرة الأردن رغم محدودية الإمكانات وشح الموارد على حماية الأرض الأردنية والعربية من الأخطار التي تهددنا وان هذا الجيش الأردني لديه ما يؤهله للتعامل مع أي طارئ وخطر مهما كان مصدرة إذا كانت النتيجة الدفاع عن الأمة وعن حقها وبناء مستقبلها.
إن النصر الذي كتبة الأردن للعرب والأمة لم يكن وليد ستة عشر ساعة من الاقتتال بين الجيش الأردني والعدو وهو ما كان ليكون لولا العتاد والعدة والاستعداد والعزم والإصرار الذي كان يتمتع به القائد الأعلى رحمه الله منذ اعتلى عرش المملكة، فقد نهض الحسين بجيشنا العربي المصطفوي واعدة إعدادا وتدريبا واحترافا وتوجيها لأداء الواجب ومواجهة التحديات المحدقة والأخطار العاتية، وزرع في نفس الجندي والضابط أسمى صور الشرف العسكري ومبادئ ثورة العرب الكبرى وقدسيتها في الحرية والعدالة والتضحية والبذل والعطاء في سبيل الأردن والوطن العربي، فكان نصر الكرامة نتيجة طبيعية- بعد توفيق الله عز وجل - لصدق عزيمة القيادة والجيش وعميق انتماءها والتزامها برسالة الوطن والأمة لتلبية طموحاتهما بحياة الكرامة والمجد والشرف.
إن الكرامة التي قادها الحسين رحمه الله، هي اليوم نبراس عمل قائدنا الأعلى أبا الحسين وان تحققت بالعدة والعتاد والسلاح فإنما يصونها اليوم سيدنا بعزمه وارادته واصراره على المضي بالأردن قدما، فالليل على أجندته موصول بالنهار لتحسين حياة المواطن الأردني وتطوير مستوى معيشته، وما المبادرات الملكية التي تستهدف المواطن في كل ركن وزاوية من جنبات مملكتنا الغالية إلا دليلا قاطعا إن السير على خطى الآباء والأجداد لما فيه رفعة وسؤدد الأردن هو جل ما يسعى إلية جلالة الملك.
وبالتزامن مع ذكرى معركة الكرامة، يجيء عيد الأم وفيه من المعاني ما يطيب لنا الحديث عنه بإطالة، فالأم في المربية والمعلمة الطبيبة والقاضية وأستاذة الجامعة، فهي القصيدة والأغنية والهامة والقامة، وهي الحكاية التي تتلو الحكاية، وعندما نتحدث عن معركة الكرامة فمن غير الممكن ألا نبارك تضحيات الأمهات الفاضلات في كل أرجاء المملكة في المدن والقرى والبوادي والأرياف، لأنها هي التي علّمت أبناءها معنى حب الوطن وصدق الانتماء إليه والموت في سبيله، وهكذا كانت الأم وما زالت مدرسة في إعداد الأجيال، وشعلة تحترق لتنير دروب الآخرين ولترسم البسمة على شفاه الأبناء، ولولاها لما كان للحياة طعم ولا لذة ولا لون ولا رائحة.
معركة الكرامة مناسبة وطنية مواتية لمراجعة النفس في هذا الوقت الدقيق الذي يحتاج إلى تكاتف وتلاحم وبذل كل ممكن قادر على ترك اثر عميق وإضافة لبنة في مسيرة التطور ليعلو البنيان ويتحقق الانتصار في مدارج التنمية والإصلاح والتقدم.