كما عودنا الدكتور محمد الفرجات وكما وعدنا كأعضاء منتدى الابتكار والتنمية بأن نفعل كل ما في وسعنا للتغيير من اجل نهضة هذا الوطن والاخذ بيد المواطن الى معيشة افضل باظهار نقاط الضعف التي تجر عجلة التقدم الى الوراء ومحاولة تصحيح المسار..
المقاول المستهتر والتخطيط الغائب
قبل 25 عاما قررنا انا والمرحوم اخي ان نشتري ارضا ونبني عليها بيتا لنا من طابقين يأوينا وعائلاتنا, فوقع اختيارنا على منطقة ريفية جميلة خارج عمان تبعد 7 دقائق عن الدوار السابع بالسيارة وكانت بالنسبة له الابتعاد عن زحمة وضجة المدينة وبالنسبة لي منزلا صيفيا اجده كل صيف عند عودتي الى الوطن في الاجازة وبيتا اجده عند التقاعد.
وكانت المنطقة ريفية جميلة غير ملوثة مليئة بأشجار التين والتوت والزيتون وغيره ومليئة بالاراضي المزروعة بالبامية والملوخية والتي كان يصبح علينا اصحابها كل يوم بسلة خضروات وفاكهة طازجة في موسمها.
كانت المنطقة زراعية وبها بعض البيوت كنظام بيتنا الفلل ذات الطابقين وحديقة صغيرة حولها.
والان بعد 25 عاما وقد قررت التقاعد والعودة للوطن لخدمته بما تبقى لي من طاقة وجدت حالة لم اكن اتخيلها فبقدرة قادر اختفت الاراضي الزراعية وقلعت الاشجار من جذورها ورميت بعيدا مع الطمم وتحولت الاراضي الى اسكانية وتحاصرت المنازل الصغيرة بالعمارات الاسكانية وبالناس وبالسيارات والباصات والبيكابات ووو..السوبرماركات و المحلات العشوائية .. اصبح الضجيج والفوضى سيد الموقف.
وحيث ان منزلنا يقع في ارض منخفضة في شارع قصير به 5 عمارات على ناحية و عمارتين على الناحية الاخرى و يوجدبه طلعة وعلى رأس الطلعة ارض فاضية مزروع فيها عدة اشجار كبيرة وجميلة وكأنها ضاقت على نفس مقاول فقرر شراء الارض ليقيم عليها عمارة سكنية ولا اعرف ولا افهم لما اراد الانتقام من الاشجار القليلة المتبقية فقام باحضار الجرافات التي اقتلعتها من جذورها وكأنه يقتلع اطراف بني ادم قد اساء له ولو استطاعت الارض لصرخت من هول الالم. ولم يزرعها بمكان اخر ولم تظهر عليه النية بفعل ذلك بل كسرها ورماها مع الطمم.
وابتدا المشوار الصعب والمزعج مع المقاول المستهتر بمن حوله من السكان فقد هجمت فلول الجرافات والحفارات وحيث واجهتهم صخور تحت الارض فشاطوا باحضار حفارات ذات ضجيج لا يوصف من الصباح الى المساء فتخيلوا الازعاج الصوتي والاتربة والغبار وكأن الدنيا انقلبت على رؤوسنا فامتلأ الشارع ىبطبقة عالية من الاتربة وكان كلما مرت حاوية او سيارة او بكب تثير الغبار فامتلئت به بيوتنا وملابسنا ورئتينا و اعيننا ورؤوسنا واضطررنا للاستحمام مرتين في اليوم وتنظيف بيوتنا باستمرار وجائت شاحنات التراب و الحصمة والاسمنت وكومتهم على الشارع نفسه مما ادى الى اغلاق الشارع وذهبت لاستفسر فوجدت كل انواع المسامير ملقاة على الشارع باستهتار و بدون اية مسؤولية. فتكلمت مع صاحب العمارة والمهندس ولم احصل عل شيء يذكر الا انهم قالوا بانهم سوف ينتهون بشهر 6 فلازم نصبر لان كل البلد هيك بتعمل... وان الجو مقبل على امطار فسينغسل الشارع. وكان كل الجيران بنفس ما انا فيه ولا ندري ماذا نفعل فذهبت الى مديرية المنطقة وقابلت المسؤول و اخبرته بما يحدث وطلبت منه الحضور لشرب فنجان قهوة فحضر وشاهد بنفسه وقال للاسف لا نستطيع فعل شيء اصبروا عشان حق الجيرة و قريبا بخلصوا وبنضفوا..!!!!
على اي حق جيرة يتكلم ؟!
وحيث انني مصاب بحساسية دائمة للغبار ودخان الارجيلة والسجائر واي دخان اخر تستطيعون ان تتخيلوا حجم المعاناة التي اواجهها فالتهبت عيناي وذهبت لطبيب العيون فأخبرني بأن عيني مليئتان بحبيبات التربة التي تجرح القرنية ويجب ازالتها فورا يدويا وفعل ذلك بساعة من الالم واحدة تلو الاخرى.واعطاني تقريرا طبيا بذلك وعلاج يدوم 3 اسابيع.
اصبحنا محاطين بالعمارات الاسكانية واصبحت البيوت الصغيرة مخنوقة ولم يعد هناك اشجار ولم يتبقى اراض زراعية واصبحت منطقتنا مكتظة بالسكان والشوارع ممتلئة بالاسواق التجارية و محلات مواد البناء بدون اي تخطيط فكلما تقوم عمارة يفتح جنبها محل لمواد البناء فبنفس الشارع عدينا اكثر من عشر محلات مواد بناء و اكثر من عشر صيدليات و 4 سوبر ماركت كبار وكان هناك سوبر ماركت كبير يكفي لكل المنطقة فتفاجأنا بافتتاح واحد كبير مقابله تماما ؟!! الا يوجد تخطيط؟! و المخابز ومطاعم الفلافل و الادوات المنزلية وما اكثرها وعندما فتح مركز طبي امتلأت بالمراكز الطبية كأن المنطقة مليئة بالعيانين وكل شيء اصبح عشوائي وضوضائي ولم تعد تكفي المواقف والشوارع لم تعد تتسع لهذا الكم من السكان.
والان نبدأ بالتساؤلات.. الم نفكر بأخذ العبر من الدول التي واجهت زلازل واعترف المسؤولين فيها ان زيادة الضحايا من انهيار البنايات و التربة نتج عن قلع الاشجار بالمنطقة و تجريد الاراضي من الجذور والتي كانت سبب قوة وتماسك التربة ببعضها؟! الم نسمع عن البصمة الكربونية وان القوانين في اوروبا تسمح لك بقلع شجرة فقط اذا زرعتها في مكان اخر ؟ والا تتخالف مخالفة كبيرة. للحفاظ على البصمة الكربونية كما هي. كيف يتم تخطيط المناطق بدون حساب نسبة اراضي للاسكان ونسبة للحدائق العامة اجباري في كل حي مع نسبة وتناسب. تشجير اي شارع يتم فتحه و رصفه على الجانبين فور فتحه ولا يتم انتظار ان يقرر صاحب الارض ان يبني بأرضه فيقوم ببناء الرصيف على حسابه وعلى ذوقه فتكون اشكال الارصفة في البلد مكركبة واللي طالع والي نازل بدون تنسيق او مراعاة للسلامة العامة وللمنظر الحضاري التي اصبحت تفتقر له هذه المناطق العشوائية. لم تعد ترى او تجد في عمان اشجارا او حدائق الا ماندر , لم يعد هناك اماكن للتنزه او المشي من اجل الرياضة اصبحت فقط اماكن للتسوق العشوائي بدون مواقف منظمة للمركبات وبدون اي ترتيب او تنظيم وملاحظ تماما غياب اي خبرة في تخطيط المدن.
في المنطقة التي اسكن بها اقرب مستشفى على بعد ساعة على الاقل فتوزيع المستشفيات يحتاحى الى مقال اخر لوحده.
من يترك هؤلاء المقاولين يعبثون في الشوارع حسب رغبتهم بدون اي مراعاة واحترام لحقوق المواطن, لا احدد احدا لانني رأيت مقاولين واماكن بناء جدا متطورة وتحترم ما حولها والله يكثر من امثالهم ويجب ان يكونوا قدوة لزملائهم. الا توجد قوانين تحدد كل ما سبق؟ الى اين نحن ذاهبون بالبلد؟