لم ينتظِر مُجرم الحرب/نتنياهو طويلاً للرد على «انتقادات» الرئيس الأميركي، بل تعدًاه إلى اليهودي الأول الأكثر نفوذاً في الولايات المتحدة السناتور/تشاك شومر, زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ (بينما الأغلبية في مجلس النواب «جمهورية»). بل ذهب بعيداً في التشكيك بقدرات من يطالبون بعدم اجتياح مدينة رفح, أو يدعونه إلى قبول وقف النار ولو على شكل هدنة إنسانية (الجاري التفاوض عليها في الدوحة منذ أمس/الاثنين), مُتسائلاً/نتنياهو: هل ذاكِرتكم ضعيفة إلى هذا الحد؟, هل نسيتم - أضافَ - بهذه السرعة يوم السابع من أكتوبر؟, أبشع - تابعَ - مذبحة لليهود منذ المحرقة؟, مُستطرداً في وقاحة وكذِب.. بهذه السرعة أنتم مُستعدون لحرمان إسرائيل من حق الدفاع عن النفس ضد «وحوش» حماس؟. وعن دعوة السناتور شومر لإجراء انتخابات إسرائيلية مُبكرة, قال أن السناتور مُخطئ.
ولم ينس بالطبع إعادة تكرار الأسطوانة ذاتها أمام المستشار الألماني/شولتس في مؤتمر صحافي عقداه في القدس المحتلة, سواء في ما خصّ إصراره على اجتياح رفح المكتظة بسكانها ونازحيها (كونها البوابة الوحيدة لدخول المساعدات, والتي إذا ما تمكّن منها جيش النازية الصهيونية, فإنه سيُقفل كل معابر القطاع, ويترك الفرصة/ الفخّ لحليفه الأميركي, كي يُقيم ما بات يُوصف «ميناء بايدن»، الذي سيقام بعد شهرين من الآن (هذا إن أُقيم ولم يحدث ما يطيح بـ«الفكرة» ذاتها, حال نجح ائتلاف نتنياهو الفاشي في خلق ظروف مواتية, وهي «جماهيرياً» متوفرة لصالح اليمين المتطرف, حيث ترفض غالبية الجمهور الصهيوني إنهاء الحرب, وتدعو إلى استمرارها. ما يسمح لنتنياهو فرض مشروعه الرامي, إعادة احتلال قطاع غزة والسيطرة عليها عسكرياً, وشطب وكالة الغوث الدولية/الأونروا, وفك ارتباط القطاع بالضفة الغربية نهائياً, ترجمة لما قاله أول أمس, بان «أغلبية الجمهورالإسرائيلي ترى في إقامة دولة فلسطينية خطراً شديداً على مُستقبلنا».
وخلال افتتاح الجلسة الأسبوعية لحكومته أول أمس/الأحد, أكد نتنياهو أن الضغوط التي تُمارس على إسرائيل, لن تمنعها من تنفيذ عملياتها في رفح, مُضيفاً أن العملية قد تستغرق بضعة أسابيع, لافتاً إلى أن مَن يُصرّح بأن العملية في رفح لن تتم, هو نفسه الذي قال لن تدخل غزة، وهو ذاته –تابعَ- قال لنا أننا لن نعمل في مستشفى الشفاء أو حتى في خانيونس، ولهذا - ختمَ - أكرر سنتحرك في رفح».
لهجة تحدٍ كهذه ربما يرى فيها البعض نوعاً من المُكابرة من قِبل مُجرم الحرب نتنياهو، ومحاولة للظهور بمظهر المسؤول المُتماسك, رغم كل ما يُمارس عليه من ضغوط (وهي في واقع الحال لا تبدو جدية في معظمها, كونها مُجرد تصريحات للاستهلاك الخارجي على النحو الذي يُطلقه الرئيس بايدن كما قادة دول الاتحاد الأوروبي, وتحديداً المستشار الألماني/شولتس الذي كرَّر في مؤتمره الصحافي مع نتنياهو, الاسطوانة الصهيوأميركية/الأوروبية, عن (حقّ إسرائيل في الدفاع عن نفسها في وجه «إرهاب حماس»), مُتخذاً موقفاً ضبابياً بل مُتلعثماً بالقول في عمومية أنه «كلما طالت الحرب زاد عدد وفيات المدنيين, وأصبح الوضع في غزة مؤسفاً وكارثياً», في إشارة خجولة ومنافقة إلى حرب الإبادة والتجويع التي يشنها الحلف الصهيوني أميركي, على أزيد من مليوني فلسطيني في القطاع المنكوب. وغير مُكترث/شولتس بالدعوى التي اقامتها نيكاراغوا لدى محكمة العدل الدولية، تتهم فيها ألمانيا بـ"تسهيل ارتكاب إبادة جماعية, كونها/ألمانيا «تنتهك اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية, لتقديمها مساعدات مالية وعسكرية لإسرائيل، ولتوقِّفها عن تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا). طالبة من المحكمة الدولية, إصدار تدابير طارئة تُلزم برلين بالتوقّف عن دعم إسرائيل عسكرياً, وإلغاء قرار وقف تمويل الأونروا.
ماذا عن الموقف الأميركي المُراوغ؟
دون صرف النظر عن «بعض» التصريحات التي يدلي بها مسؤولون أميركيون حول مواقف نتنياهو, من عملية التفاوض حول هدنة إنسانية يُعطلها نتنياهو, بذريعة أن «شروط» حركة حماس وما تطرحه من إقتراحات رداً على اجتماع باريس الرباعي, وقوله/نتنياهو أنها «شروط وهمية» ولن تُقبل، فيما قال متحدث مجلس الأمن القومي الأميركي/كيربي: أن اقتراح حماس يقع بـ«التأكيد» ضمن حدود الاتفاق الذي نعمل عليه منذ عدة أشهر، نقول: دون صرف النظر عن ذلك, فإن التدقيق في مشروع القرار (في نسخته الخامسة, أما المسودة «الأولى» كانت في 20/شباط الماضي, بعدما استخدامها «الفيتو» لإسقاط المشروع الجزائري) الذي قدمته أمس الولايات المتحدة لمجلس الأمن, رافضة طلبَ أعضاء المجلس بوضعه في «اللون الأزرق» للتصويت عليه خلال 24 ساعة, في محاولة منها لشراء الوقت, إنتظاراً لما ستُسفر عنه المفاوضات التي بدأت أمس في العاصمة القطرية. لكن الأكثر أهمية هو أن مشروع القرار الأميركي «لا يتضمن» دعوة إلى وقف إطلاق النار فوراً. ما يُؤكد عدم جدية إدارة بايدن, بل تواصل شراكتها مع الدولة العنصرية الفاشية رغم رطانة بايدن عن نتنياهو والغضب المزعوم منه.