تمرّ المنطقة بمنعطف خطير نتيجة العدوان الهمجي على غزّة ، و الذي سيترك أثره على المنطقة و شكلها المستقبلي تفكيكاً و تركيباً ؛ بكل ما يعني ذلك من تغيّر في خريطة التحالفات و عناوينها الجديدة ضمن منطق الخاسر و الرابح ، و مآلات الحرب التي ستجد من يجني ثمارها بعد أن تضع الحرب أوزارها ، و العرب هم الطرف الأضعف في هذه المعادلة ، التي ستتركهم على الهامش إلا من دعوة لتمويل الخطط المرسومة مسبقاً و إضفاء الشرعية على مخرجاتها من خرائط جديدة و أنظمة بديلة .
و بلدنا يقع في العمق الإقليمي لهذه المنطقه التي ما عرفت استقراراً منذ زمن بعيد ؛ و بخاصة بعد احتلال العدو لأرض فلسطين و ممارسته لدور " البلطجي" في المنطقة و حرمانه أبناء الشعب الفلسطيني حقوقهم في إقامة دولتهم المستقلة و عاصمتها القدس الشريف ، و ممارسته لكل أنواع البطش و التنكيل بهم .
في ظل هذا الوضع المعقّد و الكارثي ، نجد أن بلدنا ليس بمنأى عن التأثر الكبير سواء بالحرب الدائرة على أرض غزّة أو ما ستؤول إليه الأمور بعد انتهائها ، و التي نرجو من الله أن يكتب لأهلها الثبات و نيل الحريّة ، أقول في ظل هذا الوضع يغدو من المفروض علينا كأردنيين أن نحافظ على هذا الوطن و نحمي منجزاته و نحترم تضحيات أبنائه من الشهداء و الآباء المؤسسين الذين بنوه من تعب و ذهب ، و قدّموا أرواحهم و أنفسهم رخيصة ثمناً لازدهاره و استمراره رغم كيد الكائدين و عيون الحاسدين ، و هم كُثْر بالمناسبة ، و هم خليط من أعداء خارجيين نعرفهم جيداً و لا يضمرون لنا و لبلدنا خيراً ، و منهم آخرون نصّبوا أنفسهم حرّاساً للدين نيابة عن الله مرة أو دعاة للوطنية باحتكارهم الدور الوطني المغشوش مرة أخرى ؛ لا حباً في هذا البلد و أنما طمعاً بمكاسب سياسية آنية في سوق المزادات و البازارات التي تنتعش في هكذا مناسبات !.
و قد يسأل القارئ ، و هو حق طبيعي له ، ما مناسبة هذه المقدمات ؟، و أقول قد قرأت بياناً دعا فيه موقعوه إلى خليط من قضايا سياسية و اقتصادية و محاربة فساد و غيرها ، و قد استرعى انتباهي أمران ؛ الأول يدعو فيه موقعوه إلى تغيير خارطة تحالفات البلد و انخراطه في محور إقليمي ، طالما عاث فساداً في دول محيطة و أخرى قريبة ، مزقّها و قسّمها على مستوى الهويات الفرعية و نمّاها بما يتفق و مصالحه في المنطقة سواء على المستوى التكتيكي أو الاستراتيجي ؛ طمعاً في السيطرة عليها بعيداً عن مصالح شعوبها و تطلعاتهم ؛ بمعنى أنهم يطلبون من الأردن أن يرهن قراره و مصيره لصالح قوى إقليمية لا لمصالحه الوطنيّة و كأننا مجاميع ميليشيات و لسنا دولة تحتكم في بناء تحالفاتها و علاقاتها بما يخدم الدولة و استقرارها و ازدهارها .
و قد تضمن البيان دعوة مبطّنة إلى تكوين ميليشيات مسلحة تحت بند المقاومة الشعبية ، و هو أمر ظاهره الخوف على الدولة و مستقبلها و باطنه جرّ البلاد إلى منطق آخر غير منطق الدولة و هو منطق المليشيات المسلحة التي تأتمر بأمر جهات خارجيّة ، لا هدف لها سوى زعزعة استقرار البلاد ، لا قدّر الله ، و هو مخطط قديم في زي جديد ، يطلّ برأسه كلّما حدث اضطراب في المنطقة و بخاصة على الجهة الغربيّة من النهر ، كل ذلك باسم القضيّة الفلسطينية و الدين و المقاومة !.
و الثاني ، مرتبط بالأول و هو متمثل بهتافات خرجت عن حدود المقبول و العقل ، تريد أن ترهن قرار الدولة لحساب فصائلي على حساب الدولة و هوّيّتها ، وتطعن في موقفها وتشكك في انتمائها للقضية المركزية بالنسبة للأردن و هي القضّة الفلسطينية و يصور " الهتيفة " الدولة بأنها مانعتهم من النضال في إطار من هتافات التخوّين و العمالة ؛ فهم يخونون كل أطياف البلد إلا أولئك الذين يشتركون معهم في التخطيط بليل فيه الويل ، إي و الله ، فقد سمعت تسجيلات لهتافات تجاوزت و تعدت أجواء الحريّة المتاحة للتظاهر و المسيرات ضمن حدود احترام القانون !.
أعتقد أن الهدف الأثير لهؤلاء ، دعوني أسمّيهم سماسرة إلا من فئة قليلة غُرّر بها ، لهم مرجعياتهم الخارحيّة و حساباتهم البعيدة عن مصلحة الدولة ، أقول إن هؤلاء يهدفون إلى فرض وصايتهم على عقول الأردنيين و الوعي العام في البلد ، بكل ما يحمل هذا الهدف من تداعيات تقسيم الشعب و زرع بذور الفتنة لتأجيج الجو العام و تنفيذ مخططاتهم المشبوهة و ضرب عنصري قوته العظيمين ؛ و هما الالتفاف حول قيادته الهاشميّة ذات الشرعيّة الدينية و التاريخية من جهة و التشبث بدواعي قوته و منعته المتمثلة بأجهزته الأمنيّة و العسكريّة ، رغم قناعتي بمناعة شعبنا ضد كل هذه المخططات إذا ما تمسّكنا بإيماننا القوي بهذه البلاد التي لا بلاد لنا غيرها !.