لقد توقع العالم كله فوز رئيس روسيا الاتحادية فلاديمير بوتين في الانتخابات الرئاسية الروسية التي عقدت أعمالها في الفترة الواقعة بين 15 و 17 أذار الجاري 2024 ، ولا منافس حقيقي له من قبل الحزب الشيوعي باني الاتحاد السوفيتي، المعارض بعد استقلال روسيا عام 1991 ومن خلال شخص نيكولاي خارتينوف ، ولا من قبل الاحزاب الأخرى بطبيعة الحال التي رشحت نفسها مثل الليبرالي وشخص ليونيد سلوتسكي ، والشعب – الناس وشخص فلاديسلاف دافانكوف . ونسبة أصوات بوتين فاقت التوقع والتي قد تزيد عن 90% من الاصوات، وبدت أصوات الشيوعيين متدنية جدا، وكذلك الليبراليين وأصوات حزب الشعب الجديد. واسم المعارض البارز اليكسي نافالني لو بقي حيا، ولو لم يكن سجينا لما كان له تأثير كبير على نتيجة الانتخابات، وكذلك الأمر بالنسبة للمعارض بوريس ناديجدين الذي منع من الترشح لعدم كفاية ملفه الانتخابي.
ويقابل هذه المعادلة حاجة روسيا لبقاء الرئيس بوتين في سلطة الكرملين ما دام الدستور الروسي يسمح لهبذلك.
ومنذ عام 2000 ترشح بوتين عدة مرات وبلغ مجموعها لغاية الان خمس؛ ترك بينها حقبة زمنية لنائبه الحالي في مجلس الأمن القومي الروسي دميتري ميدفيديف عام 2008 احتراما وانصياعا للدستور . وسوف يتم تنصيب الرئيس بوتين بتاريخ 7 أيار وتشكيل حكومة جديدة ب 8 أيار أيضا .
لقد عبرت روسيا وسط مرحلة غاية في الصعوبة عام 1991 عندما تقرر في موسكو تفكيك الاتحاد السوفيتي، والقدوم ببوريس يلتسين رئيسا لروسيا عبر صناديق الاقتراع وبنسبة مئوية بلغت حينها 57% ، وعرفت مرحلته الرئاسية بالمتعثرة والمرتبكة رغم محاولته خصخصة الاقتصاد الروسي وتحرير الأسعار ، وأعيد انتخابه عام 1996 بعد فوزه على زعيم الحزب الشيوعي قينادي زوغانوف بفارق13 % ، ثم تراجعت شعبيته بسبب أزمات اقتصادية وسياسية في روسيا في عهده . وتقرر في موسكو من جديد تقديم إسم بوتين نائبا للرئيس وتجهيزه لرئاسة روسيا عام 2000 و بعد ذلك ، وهو القادم للسلطة من وسط جهاز أمن بلاده.
شخصيا رشحت موسكو إسمي مراقبا في الانتخابات الرئاسية الروسية 2024 ، وتم الاقتراح ذات الوقت بأن أتحمل نفقة المشاركة بالكامل ، ففضلت مراقبتها من عاصمتنا الأردنية عمان . وبكل الاحوال لا علاقة بتحمل الجهة الروسية الداعية بنزاهة الانتخابات التي يتوجب على كل اعلامي وسياسي التعامل معها بحيادية وموضوعية خاصة في ظرف استمرار اندلاع العملية / الحرب الروسية – الأوكرانية ومع ( الناتو ) بالوكالة التي انطلقت بتاريخ 24/ شباط / 2022 .
وعودة على موضوع ترشح الرئيس بوتين للإنتخابات الرئاسية الروسية 2024 ، يمكن ملاحظة تمسك موسكو بإسمه وشخصه لتمتعه بكاريزما فولاذية تجمع بين الأمن و السياسة ، والخبرة العملية الطويلة ، وهو الذي يصعب على روسيا الان ايجاد بديل له بسهولة في الوقت الذي تواجه فيه روسيا تحديات كبيرة بسبب ( الحرب الأوكرانية ) تضليلا، و التي هي غربية – أمريكية عبر العاصمة ( كييف ) وبعد التغرير بها بعدما اقتربت من توقيع السلام مع موسكو في تركيا – إسطنبول عام 2022 ، وهو الذي أصبح مستبعدا العام الحالي 2024 بسبب تمسك كل طرف روسي و أوكراني بشروط سيادية مسبقة، ناهيك عن تدخل الغرب الأمريكي غير المحايد ، والمساند علنا للعاصمة "كييف " ونظامها السياسي بمبالغ مالية وأسلحة حديثة فاق ثمنها المئتي مليار دولار . واصرار من قبل نظام (كييف) والغرب على اعادة روسيا الى ما قبل عام 2022 وحتى الى ماقبل عام 2014. ويطرح المجتمع الدولي سؤالا في العتمة مفاده ، من هي الشخصية وسط النخبة السياسية الروسية الممكن أن تكون خليفة للرئيس بوتين يوما ما أو مساعدا له؟ المعروف حاليا هو بأن دميتري ميدفيديف ويوري أوشاكوف يساعدانه في الحكم وجهاز الأمن الروسي ، مع بقاء الباب مواربا للسياسي الروسي المنتظر لقيادة "الكرملين " في قادم الأيام ، ولقد أشار بوتين لذلك بنفسه في وقت سابق.
فما هي التحديات التي تواجه الرئيس المنتخب حديثا بوتين وبلاده العملاقة روسيا على المستويين الخارجيوالداخلي؟
دعونا نبحر فيها سويا لعلنا نصل الى ما نبحث عنه في عالم السياسة الدولية . لعل أكثر القضايا الساخنة التي تقلق روسيا الاتحادية هي استمرار "الحرب الأوكرانية"، ولقد دار حولها لغط كثير ولازال في الداخل الروسي وعلى خارطة العالم في ظل عدم تفهم "كييف " وعواصم الغرب خاصة " باريس" ، و"برلين "، و"لندن" و "واشنطن" لكواليسها ، فلقد رصدت موسكو مبكرا مؤامرة أمريكية ضدها وسط الثورات البرتقالية عام 2007 و انقلاب "كييف " الدموي عام 2014 ، والهدف بعيد المدى ديمومة الحرب الباردة وسباق التسلح ، وتقسيم روسيا واضعاف حضورها دوليا. وتحركت بسرعة عبر اعادة اقليم "القرم " لعرين روسيا بحجة الأحقية التاريخية منذ الحرب الروسية – التركية الثانية التي انتصرت فيها عامي 1853 /1768 ، و تحريك - نيكيتا خرتشوف - للقرم عام 1954 تجاه أوكرانيا لأسباب مائية اعتبرته روسيا حالة عابرة، وتعتبر روسيا أوكرانيا في التاريخ القديم أراضي روسية، وبأن مصطلح " أوكرانيا " يعني من يعيش في الأطراف . و"كييف " العاصمة تاريخا بالنسبة للروس ، هي " كييفسكايا روس ، أي " كييف " الروسية . ولقد ارتكز الروس على اتفاقية تفكيك الاتحاد السوفيتي لعام 1991 المانعة للدول المستقلة اجراء تحالفات معادية خاصة مع " الناتو " . علما بأن روسيا – بوتين عرضت على أمريكا – كلينتون دخول " الناتو " عام 2000 ، كما ارتكزوا على مادة ميثاق الأمم المتحدة رقم 751 القاضية بالسماح للدولة المعتدى على سيادتها مثل روسيا الدفاع عن نفسها . وكل الحزمة الاجرائية سابقة الذكر لا يتفق معها نظام " كييف " و لا الغرب الأمريكي مجتمعا بطبيعة الحال .
ولقد قالها سيرجي لافروف وزير خارجية روسيا الاتحادية مؤخرا ، كلما تعقد مشهد الحرب وساءت نتيجته لأوكرانيا وللغرب ، كلما تم تصعيد العقوبات على روسيا والتلويح بالسلاح النووي المدمر للحضارات والبشرية . والتحدي الأكبر أمام روسيا اليوم هو مواجهة المماحكة النووية العسكرية ، وهي قادرة على ذلك ، و لقد أعلن بوتين جاهزية بلاده نوويا ، وهو الذي يعني ذات الوقت عدم استهداف أي من دول العالم . ويتحرش الغرب بروسيا أيضا عبر شروعه بالتصرف بالوديعة الروسية لديه البالغة 300 مليار دولار و بفوائدها ، و هو الذي ستواجهه روسيا بعقوبات مالية صارمة من طرفها .
و الصفحة قبل الأخيرة من تحديات روسيا – بوتين هي الشروع في بناء عالم متعدد الاقطاب يشمل شرق و جنوب العالم و كبريات مؤسسات الاقتصاد في العالم مثل " البريكس " ، و " شنغاهاي " ، " و مجموعة الدول المستقلة " ، مع الإبقاء على الباب مواربا لدخول الغرب الى جوفه بحكم أن توجه عالم متعدد الاقطاب ديمقراطي ينادي بالاستقلالية و التوازن و العدالة .
والتحديات الأخرى الداخلية لروسيا تشكل حزمة متكاملة ، وهي محتاجة لرئيس وزراء جديد و حكومة جديدة بعد احتفالية تنصيب بوتين بيتاريخ 7 / أيار 2024، وتشكيل حكومة جديدة بتاريخ 8 / أيار ، وتتمثل بالإهتمام بحياة الموطن الروسي المحتاج لزيادة النسل ليس للدعم المالي الحكومي فقط ، ولكن لتصميم مساكن وشقق سكنية من ثلاثة غرف على الأقل . والرواتب الحكومية والتقاعدات المشابهة محتاجة لتحسين نوعي لمواجهة ارتفاع الأسعار التموينية ، وأسعار المحروقات . وشوارع مدن الدرجة الثالثة محتاجة للتعبيد . والسياحة الداخلية لبنية تحتية أقوى وأفضل ، ومعاملة حركة الروس و الأجانب الى العالم ومنه تجاه روسيا محتاجة للمعاملة بالمثل من دون فيزا . وجواز السفر الذي تمنحه روسيا للمقاتلين الاجانب الى جانب عمليتها العسكرية الاصل أن تمنحه للإعلاميين المتزوجين من روسيات كذلك الذين ينصفون روسيا في تصديها لمؤامرة الغرب الأمريكي .