مدار الساعة - الهم من أخطر الأمور على المسلم ، ينغص عيشه ويمرضه ويقعده عن العمل، ويصيبه بالاكتئاب ويوقعه في الوسواس ويفسد حياته وإذا استرسل مع الهموم ، وسبح مع الأحزان صارت حياته جحيما لا يطاق.
وأعظم ما يسلي المهموم أن يوقن أن ما أصابه من هم وحزن على ذهاب محبوب ، أو حصول مكروه مأجور عليه وتكفر به خطاياه قال رسول الله ﷺ: «مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلاَ وَصَبٍ وَلاَ هَمٍّ وَلاَ حَزَن وَلاَ أَذًى وَلاَ غَمٍّ، حتَّى الشَّوْكَةُ يُشَاكُهَا إِلاَّ كَفَّرَ اللَّهُ بهَا مِنْ خطَايَاهُ». متفق عليه.
دعاء الهم
كان رسول الله ﷺ يقوله عند الكرب:«لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ». متفق عليه.
قال الطبري: «كان السلف يدعون به ويسمونه دعاء الكرب». والاستعاذة من الهم تشرح الخاطر قال رسول الله ﷺ : «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ». رواه البخاري.
حلول لإزالة الهم
التفكر في النعم والنظر إلى الأشياء الجميلة يطرد الهموم والأحزان قال عروة بن الزبير لما قطعت رجله ومات ولده: «اللهم كان لي بنون سبعة فأخذت واحدا وأبقيت لي ستة وكان لي أطراف أربعة فأخذت طرفا وأبقيت ثلاثة ولئن ابتليت لقد عافيت ولئن أخذت لقد أبقيت». ومن نظر إلى مصيبة غيره العظمى هانت عليه مصيبته وزال همه.
الانشغال عن الهم بالمسليات النافعة والبرامج المفيدة فالقلب إذا أشغلته بالنافع لم يكن للهم فيه مكان وإذا فرغته سكن فيه الهم. وكلما ابتعدت عن كل ما يسبب الهم ويهيج الحزن سلمت منه. ومن تأمل في استحالة رجوع من فقدهم من الأحباب سهل همه.
التأمل أن الرزق مكتوب والأجل معدود، ومن يفعل ذلك لم يهتم لعيشه ورزقه رأى إبراهيم بن أدهم رجلا مهموما فقال له: أيها الرجل إني أسألك عن ثلاث تجيبني. قال الرجل: نعم. فقال له إبراهيم: هل يجري في هذا الكون شيء لا يريده الله؟ قال: لا. قال إبراهيم: أينقص من رزقك شيء قدره الله لك؟ قال: لا. قال إبراهيم: أينقص من أجلك لحظة كتبها الله في الحياة؟ قال: لا. فقال له إبراهيم: فعلام الهم إذن؟.
التأمل أن الدنيا زائلة والنعيم المقيم في الجنة وبذلك لم يكدر خاطر الفرد لأجل الدنيا قال تعالى: ﴿... إِنَّمَا هَٰذِهِ ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَا مَتَٰع وَإِنَّ ٱلۡأٓخِرَةَ هِيَ دَارُ ٱلۡقَرَارِ﴾.
ومن علم أن الدنيا جبلت على الأحزان والهموم وأن الجنة جبلت على السعادة والسلامة من الأحزان والهموم لم يهتم لِهمٍّ قال تعالى: ﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ ﴾
أن تعلم أن هناك مشاكل دائمة ليس لها حل فليس من العقل والحكمة التفكير بها وإنما السعادة في الرضا بها والتصالح معها وهناك مشاكل طويلة ييسر الله حلها مع مرور الوقت فلا تكترث بها ودعها للجواد الكريم وهناك مشاكل صغيرة تملك حلها وتجاوزها فالعقل والحزم المبادرة بإيجاد الحل لها وإصلاحها من غير تسويف.
الإقبال على طاعة الله لينشرح صدر المهمومو ويزول همه قال تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾ والصلاة أعظم دواء لعلاج الهم قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ﴾ وفي سنن أبي داود: «كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ صَلَّى». فالله يجبر القلب الكسير ويسعد القلب المهموم ويصلح ما طرأ عليه من الفساد ولن يجد مخلوق راحة قلبه وسعادة روحه وصلاح أمره ولو كان يملك كنوز الدنيا إلا في طاعة ربه واتباع نبيه كما قال تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ قال قتادة: «سكنت إلى ذكر الله واستأنست به». قال ابن القيم: «ففي القلب شعث لا يلمه إلا الإقبال على الله. وفيه وحشة لا يزيلها إلا الأنس به في خلوته. وفيه حزن لا يذهبه إلا السرور بمعرفته وصدق معاملته. وفيه قلق لا يسكنه إلا الاجتماع عليه والفرار منه إليه...وفيه فاقة لا يسدها إلا محبته والإنابة إليه ودوام ذكره وصدق الإخلاص له ولو أعطي الدنيا وما فيها لم تسد تلك الفاقة منه أبدا».
ملازمة الاستغفار سبب لتفريج الهم ودفع الكرب روي في سنن أبي داود: «منْ لَزِم الاسْتِغْفَار، جَعَلَ اللَّه لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مخْرجًا، ومنْ كُلِّ هَمٍّ فَرجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ»
الإكثار من الصلاة على النبي ﷺ تشرح الصدر وتطرد الهم عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَيْكَ فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِي؟ فَقَالَ: مَا شِئْتَ. قَالَ قُلْتُ الرُبُعَ؟ قَالَ: مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ. قُلْتُ النِّصْفَ؟ قَالَ: مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ. قَالَ قُلْتُ فَالثُّلُثَيْنِ؟ قَالَ: مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ. قُلْتُ أَجْعَلُ لَكَ صَلَاتِي كُلَّهَا؟ قَالَ: إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ». رواه الترمذي.
حسن الظن بالله والتفاؤل بالأحسن في المستقبل يخفف الهم ويجعل المؤمن يتجاوزه إلى حياة سعيدة بنفس مطمئنة خالية من القلق قادرة على العمل قال رسول الله ﷺ: «لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ قَالُوا وَمَا الْفَأْلُ قَالَ كَلِمَةٌ طَيِّبَةٌ». متفق عليه.
من الأمور التي تطرد الهم أن يغلق المهموم ماضيه وذكرياته الأليمة ولا يفكر فيه أبدا وينظر إلى حاضره ويشتغل بما ينفعه قال رسول الله ﷺ: «احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلاَ تَعْجِزْ وَإِنْ أَصَابَكَ شَىْءٌ فَلاَ تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا. وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ» رواه مسلم. أما إذا فتح على نفسه التفكير في خسارته في وظيفة أو تجارة أو منصب أو زوجة أو شهادة ولام نفسه على التفريط اشتد حزنه وكثرت همومه وتلاعب به الشيطان والعاقل لا يفتح على نفسه باب الندم لأنه يفسد عليه دينه ودنياه.
الرضا بالقضاء يهدي القلب ويطرد الهم عنه لأنه يوقن أن هذا قدر لا مفر منه قال تعالى: ﴿مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ﴾. فمن رضي بالمصيبة أخلف الله عليه خيرا وبدل حزنه سرورا.
مما يخفف الهم التأمل والنظر في أن الدنيا لا تدوم على حال وأن الله يغير الأحوال من فقر إلى غنى ومن مرض إلى صحة ومن خوف إلى أمن وهكذا فلا ييأس المهموم من رحمة الله وليبشر بالفرج من الله فإن الفرج قريب قال تعالى: ﴿إنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْراً﴾. قال عمر رضي الله عنه: «فإنها لم تكن شدة إلا جعل الله بعدها مخرجا ولن يغلب عسر يسرين».
مما يبعث الأمل في النفس ويسلي الخاطر ويهون المصاب أن يتواصل المهموم مع أخ ناصح محب عاقل يبث إليه بهمه ويفضفض له ويشركه في أمره ويقبل على موعظته ونصائحه حتى يستريح ويعينه على مجاوزة هذه الأزمة الخطيرة التي تعصف به وهذه من ثمرات الصحبة الصالحة.
تدبر القرآن وإدامة النظر في معانيه وتلاوته شفاء للقلب المهموم لما فيه من النور والهداية والبركة والحكمة قال تعالى: ﴿قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ﴾ ومن واظب على التلاوة بتدبر نزلت عليه السكينة وغشيته الرحمة فطاب خاطره وصلحت حاله.
من أعظم ما يسكن القلب ويطرد الهم أن يوقن المؤمن أن ما نزل به من البلاء هو خير له قدره الله عليه لرفعة منزلته وتكثير ثوابه وصلاح حاله مع الله فالله أرحم به من نفسه وأعلم بمصالحه فلا ينبغي له أن يكره ذلك ويغتم به قال تعالى: ﴿ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾. وقال رسول الله ﷺ: «عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلا لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ» رواه مسلم. ومن حمل هم الآخرة كفاه الله هم الدنيا قال ابن القيم: «إذا أصبح العبد وأمسى وليس همه إلا الله وحده تحمل الله سبحانه حوائجه كلها وحمل عنه كل ما أهمه...وإن أصبح وأمسى والدنيا همه حمله الله همومها وغمومها وأنكادها».