اذا اردنا ان نفهم سر الموقف الباهت الذي تتخذه أغلبية أبناء الامة مما يجري في قطاع غزة، علينا ان نفهم كيف صارت علاقتنا بثوابت الامة ومعتقداتها وعباداتها، ومنها صيام رمضان وحرماته.
في ذاكرة ايام زمان ان رمضان كان شهر تكثيف العبادات، وبالتوازي مع ذلك تكثيف الثقافة الإسلامية،خاصة فيما يتعلق بالتكافل الاجتماعي، وبالحث على تعاضد الأمة وتأجيج مشاعر وحدتها.
لتحقيق ذلك كله وغيره كانت وزارة الاوقاف تستظيف قراء معروفين كعبد الباسط عبد الصمد والطبلاوي... وغيرهما، وكانت المساجد تعج بالعلماء والوعاظ والمرشدين الذين يعلمون الناس الذين كانت تغص بهم المساجد اصول دينهم، وتحثهم على التكافل والتعاضد، وتذكرهم بانهم ابناو امة واحدة لابد لهم من استرجاع مجدها ومكانتها.
اما خارج المساجد فكانت السلطات المختصة تحافظ على حرمة الشهر الفضيل وتحترم مشاعر الصائميين، فكانت تغلق محلات بيع الخمور والمسكرات طيلة شهر رمضان، وكانت تمنع المطاعم من فتح ابوابها قبل موعد اذان الافطار، وكان رجال الشرطة يوقفون كل من ينتهك حرمة الشهر الفضيل سواء كان بالتدخين او بالطعام، وكان الحكام الاداريون يوقعون بهؤلأ بحزم عقوبات رادعة.
اما في السهرات الرمضانية فكانت التلفزيونات تتسابق لعرض المواد الدينية من فتاوي وحوارات ومسلسلات دينية وتاريخية.
اما في ايامنا الحالية فقد تلاشى ذلك كله، فقد اختفت الى حد التلاشي المسلسلات الدينية والتاريخية، لتحل محلها مسلسلات تتحدث عن الخيانة لتجد لها اعذاراومبررات، ومسلسلات تظهر وكأن شرب الخمور ولعب القمار ممارسة عادية، بل علامة من علامات الرقي الاجتماعي، وتراجعت نسبة الأحاديث والبرامج الدينية بنسبة عالية في وسائل الاعلام.
وفي الحياة العامة تراجع الإهتمام بحرمة الشهر الفضيل الى درجة عالية، وصار من الطبيعي ان ترى من يدخن او يأكل في الأماكن العامة دون رادع من ضمير او قانون.
التغير السلبي الذي طرأ على مدى احترام الناس لحرمة رمضان، يعكس مدى التغير الذي طرأ على مجتمعنا، وعلى علاقاته بثوابت الأمة، وكل المؤشرات تقول للأسف انها تغيرات سلبية، من اهم نتائجها ان علاقتنا بقضايانا القومية صارت علاقة المتفرج الذي لا يعنيه الأمر وان عناه فانه لايفعل شيئا لوقف التدهور، وخير شاهد على ذلك ان اهلنا في غزة يتعرضون لحرب إبادة، وتجويع بينما نكتفي نحن بشتم بعضنا والتلاوم على شاشات وسائل التواصل الاجتماعي، لذلك صار بالإمكان ان نتحدث عن مجتمعات منخلعة من ثقافتها، لذلك صارت مجتمعات بلا هوية حضارية.