بكل تأكيد روسيا دولة عظمى، تمتلك خطا استراتيجيا مختلفا، وتشكل ميزانا دوليا هاما، وتسير الى الأمام خطوات وترفض انتهاج سياسة خطوة الى الأمام وخطوتين الى الخلف، ولا تلتفت كثيرا لتفسيرات وليام بيرنز والغرب حول مسارها. ولديها قدرة على رصد حراك العالم السياسي واللوجستي والعسكري، وهي متطورة تكنولوجيا. فلقد تمكنت روسيا عامي 2015 و 2016 من رصد سبب اسقاط طائرتها العسكرية سوخوي 24 فوق المنطقة الحدودية التركية – السورية ، واغتيال سفيرها في أنقرة أندريه كارلوف، وانقلاب أنقرة على أوردوغان، حيث بينت بأن الجهة المنفذة هي واحدة محسوبة على التيار الأمريكي وسط الجيش التركي، وتحديدا على منظمة "فتح الله غولن" المتواجدة في تركيا . وكتبت صحيفة " نيزا فيسمايا غازيتا " حول ذلك .
ورصدت روسيا بدقة الثورات البرتقالية الأوكرانية و انقلاب " كييف " بين عامي 2007 و 2014، و استلت الخيوط اللوجستية الأمريكية و الغربية من وسطها ، و اشتمت رائحة حرب المؤامرة على الشعب الأوكراني المتداخل ديمغرافيا مع المكون الروسي بداية بعد ثماني سنوات راح ضحيتها أكثر من 14 الفا ،و تمكنت عبر تحريك صناديق الاقتراع من اعادة اقليم " القرم لعرينه روسيا ، و بعد الارتكاز على الأحقية التاريخية منذ الحرب الروسية – العثمانية الثانية في عهد الأمبراطورة يكاتيرينا الثانية عامي 1768/ 17774 .
و بتاريخ 24 / شباط / 2022 حركت روسيا عمليتها العسكرية الخاصة الإستباقية الدفاعية التحريرية بالإرتكاز مجددا على الأحقية التاريخية ، و على اتفاقية تفكيك الاتحاد السوفيتي عام 1991 القاضية بعدم جواز للدول المستقلة إجراء تحالفات معادية خاصة مع حلف " الناتو " ، وعلى مادة ميثاق الأمم المتحدة رقم 751 التي تخول الدولة المعتدى على سيادتها مثل روسيا الدفاع عن نفسها ، و هو الذي يتعمد الغرب الأمريكي عدم فهمه حتى الساعة ، و يلوح بإحتمالية نشوب حرب عالمية ثالثة مدمرة للبشرية و الحضارات . و تتجه الحرب الروسية – الأوكرانية ومع " الناتو " بالوكالة ، و التي تعتبرها روسيا مجرد عملية عسكرية محدودة لا تؤذي أوكرانيا ، و لا الأوكران الذين تعتبرهم جيران و أخوة .و سبق لروسيا – بوتين أن عرضت على أمريكا – كلينتون دخول "الناتو " للجم الحرب الباردة و سباق التسلح ، وهو الذي قوبل برفض واشنطن وقتها .
و رصدت روسيا انفاق الغرب الأمريكي أكثر من 200 مليار دولار على الدعم العسكري و المالي للعاصمة " كييف " ليس لإسترداد سيادتها على أراضيها السابقة ، و انما لتحريك شعلة نيران الحرب الباردة و سباق التسلح . و زيارة الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي الثانية كما الأولى للمملكة العربية السعودية المبرمجة أمريكيا وهدفها العريض ليس الافراج عن رهائن أوكران عسكر ، أو أطفال عملت روسيا على حمايتهم ، و انما الحصول على مزيد من العون المالي .
ولقد رصدت روسيا النتيجة – صفر – لحرب الغرب معها عبر( كييف )العاصمة ، و سارت الى هكذا نتيجة عسكرية وفق برنامج استراتيجي محكم ، بينما روج الغرب و في مقدمته أمريكا على أن روسيا هي من خسرت الحرب ، و المعدات العسكرية و باعداد كبيرة ، و بأن حجم خسائر روسيا البشرية العسكرية كبير جدا ، و هو محض خديعة اعلامية و سياسية تحدث عنها رئيس بيلاروسيا الكسندر لوكاشينكا للصحافة الأوكرانية ، و أوضح بأن خسائر روسيا بالمقارنة مع أوكرانيا بشريا تساوي 1: 8 . موسكو حسب دميتري ميدفيديف نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي ماضية في عمليتها العسكرية لتحقق هدفها بالوصول الى( كييف ) أخذة بعين الاعتبار حسابات ردود فعل الغرب ، و في مقدمتها ماله بالحرب النووية الثالثة ، خاصة بعد انضمام بولندا لحلف الناتو ، و انضمام السويد للحلف كذلك .
ورصدت موسكو حديثا بتاريخ 29/ شباط / 2024 تسجيلات صوتية لضباط ألمان خططوا مع نظام ( كييف ) لضرب جسر القرم ب 20 صاورخ لهدمه ، و تحاول رئيسة تحرير ( أرتي ) مارغاريتا سيمونيان اجراء مقابلة صحفية مع سفير المانيا في موسكو و الخارجية الالمانية حول الموضوع ولم تتلقى اجابة بعد . و الواضح هو أن الفصل الأخير من الحرب الأوكرانية من جانب ( كييف ) و عواصم الغرب ، و بسبب خسران الحرب جنح للتخريب عبر تحريك المسيرات - الدروني فوق القرم ، و تمكنت روسيا من افشال هجماتهم بقوة ، وهو الملاحظ .
و ترصد موسكو حاليا كما في السباق كافة مصادر تزويد ( كييف ) بالسلاح و المال ، و تدين محاولة الغرب السيطرة على وديعتها المالية البالغة 300 مليار دولار بهدف توجيهها ، أو أرباحها لإعادة اعمار الجناح الغربي لأوكرانيا ، و وعدت بمعاقبة الغرب حالة تنفيذ عملية السطو على المال الروسي المهاجر . و بالمناسبة كان بإمكان الغرب أن يوجه ماله لإعادة بناء أوكرانيا و لإحلال السلام فيها ومع جيرانها عبر احياء المفاوضات الناجعة التي تعترف بسلام الأمر الواقع . و روسيا المنتصرة لا تقبل بسلام يفرض شروطه عليها ، وكلما طالت الحرب من قبل الغرب ، كلما حققت روسيا نجاحات على الارض من شأنها اعادة خريطة روسيا التاريخية الى وضعها الطبيعي .
و ترصد روسيا بإستمرار القدرات النووية الأمريكية و الغربية و تطور سلاحها النووي بتسارع يسبق الزمن ، فكما لأمريكا صاروخ ام 30 ميتتمان متعدد الاغراض و غيره من الأسلحة النووية الفتاكة ، لدى روسيا منظومة صاروخية حديثة تضاهي المتوفر لدى أمريكا و الغرب ، فلديها صاروخ " سارمات – الشيطان 2 " ، و الكنجال ، ويارس ، و بوريفيتسك ، والثالوث النووي ، و غزو نووي للفضاء بمشاركة صينية . وروسيا ماضية بتجاربها النووية لكي تبقى قوة رادعة عالمية ، وهي لا تهدد أي طرف أو بلد ، ولم يسبق لها ذلك منذ اختراعها في العهد السوفيتي للقنبلة النووية عام 1949 . و لديها جاهزية استخدامه فقط اذا ما تعرضت لهجوم مباغت و مباشر ، أو تعرض حلفاؤها لمثله . وتصرفت أمريكا بعكس ذلك تماما عندما قصفت اليابان عام 1945 من دون سبب مقنع، والعراق عام 2003 ، وكوسوفو عام 2009.