روسيا التي أعرفها عن قرب دولة كبيرة وقطب عملاق، وهي ميزان في العلاقات الدولية، وصوتها مسموع، وهي الأكثر تمسكا بالقانون الدولي، وتتهم في ذات الوقت من قبل الغرب بإختراقها له بسبب تصديها للحرب الأوكرانية، والتي هي بالوكالة مع " الناتو". وتتعرض بسببها لعقوبات اقتصادية صارمة متكررة من قبل الغرب أيضا، ويرفض سماع موقفها منها.
وفي شأن حرب غزة ساندت وقف الحرب عبر مجلس الأمن لسبب إنساني الى جانب الفلسطينيين أصحاب الارض والقضية العادلة، ولوقف مسلسل القتل والتشريد. والتاريخ الروسي عمقه سوفييتي ولم يتغير في مساندة القضية الفلسطينية، وفي اعتبار حركات التحرر ومنها العربية، والفلسطينية مشروعة لا علاقة لها بالإرهاب.
ولقد وصف رئيس روسيا الاتحادية فلاديمير بوتين حدث غزة بحصار ليننغراد، وبحرب الإبادة، ووجه لإرسال المساعدات الطبية والإنسانية لقطاع غزة عبر معبر رفح بمشاركة جمهورية الشيشان، وسانده في توجهه الإنساني الرئيس رمضان أحمد قديروف. ودعت موسكو الى داخلها حماس والجهاد بداية للحوار، وتمكنت من تحرير رهائن روس، وقوبلت خطوتها بإنتقاد من رئيس وزراء إسرائيل نتنياهو ومن سفيرتها سيمونا هالبرين التي استدعيت من قبل الخارجية الروسية لنفس السبب بتاريخ 5/ شباط / 2024.
و في الوقت الذي ينتظر العرب من موسكو موقفا أكثر حزما مع إسرائيل بسبب مواصلتها لحرب الإبادة، توزع الموقف العربي بين الناشط دوليا كما الاردن، وهو المشكور، وبين المراقب والمتابع، وحتى الصامت، وهو المستغرب، ودور محدود لبعض دول العرب في مجال تحرير الرهائن الإسرائيليين من دون الوصول لنتيجة حاسمة لوقف اطلاق النار على شكل هدنة مؤقتة أو نهائيا. ذهبت موسكو لخطوة استضافة الفصائل الفلسطينية العاملة تحت مظلة منظمة التحرير الى جانب حماس التي تعتبرها حركة تحرر عربية فلسطينية مناضلة وأيدولوجيا، بهدف توحيد الصف الفلسطيني الممثل لرام الله وغزة وصولا للهدف الفلسطيني المنشود في تحقيق حلم الدولة الفلسطينية كاملة السيادة وعاصمتها القدس الشرقية، ولتجميد المستوطنات، ولضمان حق العودة.
فما هي نتيجة حوار موسكو مع الفصائل الفلسطينية التي تابعها المجتمع الدولي والرأي العام العالمي؟
أرى من المناسب تلخيصها بما قاله وزير خارجية روسيا سيرجي لافروف الذي ترأس الجلسة الأولى للحوار الفلسطيني بتاريخ 29/ شباط واستمر حتى 2/ أذار 2024، وورد سابقا على لسان الرئيس بوتين، عندما انتقد الركود الطويل في عملية التسوية في الشرق الأوسط الذي قادته الولايات المتحدة الأمريكية، واعاقة عمل الرباعية الدولية للسلام التي مثلتها ( أمريكا، وروسيا، والاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة ). وحاليا وخاصة بعد الإجتياح الروسي لأوكرانيا عبر عملية عسكرية خاصة دفاعية إستباقية، وسواء كنا مع أو ضد، زادت الأمور تعقيدا بشأن دور روسيا في حلحلة عقدة الصراع الفلسطينية – الإسرائيلية، والذي هو صراع عربي أيضا منذ حربي عامي 1948 و1967، والحرب الباردة وسباق التسلح بين الدولتين العظميين روسيا وأمريكا في تصاعد مستمر، وعقوبات اقتصادية صارمة.
وما سعى اليه الفلسطينيون في موسكو تركز على الوصول للوحدة الوطنية، ولحكومة جديدة ترضى بها كافة الفصائل تجمع بين الكنوقراط والوحدة الوطنية، أي توافق فلسطينية . وضرورة انهاء الحرب في غزة التي طالت حياة المواطنين الفلسطينيين المسالمين، والتوجه لإقناع حماس والجهاد لكي تصبحا جزءا من مظلة منظمة التحرير الفلسطينية، ولكي تصبح الكلمة الفلسطينية واحدة أمام العدوان الإسرائيلي المستمر منذ السابع من أكتوبر / 2023.
وفي الختام هنا يصعب تصور سلام فلسطيني – إسرائيلي خارج اطار سلام فلسطيني فلسطيني أولا، والأردن من أكثر الدول العربية المطلة على ميدان الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي تأثرا به، وهو معني مباشرة بالحلول النهائية للقضية الفلسطينية على مستوى اللاجئين، والقدس، والحدود، والوصاية الهاشمية. وجهد الأردن في شأن القضية الفلسطينية بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني فاق التصور، وهو عظيم، ومشكور ومقدر محليا واقليميا ودوليا.