منذ بدأت الحرب الإسرائيلية المستعرة على قطاع غزة، يتعرض الموقف الأميركي من هذه الحرب إلى انتقادات واسعة، من قبل شعوب العالم حتى من الشعب الأميركي نفسه الذي أدان وما زال يدين موقف قيادته تجاه ما يحدث من مجازر في القطاع.
تناقض الموقف الأميركي بلغ ذروته بعد أن قامت الولايات المتحدة بإنزال مساعدات طبية وإغاثية وغذائية على غزة، نفذتها ثلاث طائرات تابعة لسلاح الجو الأميركي وذلك بهدف التخفيف من آثار الحرب الإسرائيلية المستمرة على القطاع منذ ما يقارب الخمسة أشهر والتي خلفت دماراً غير مسبوق واستشهاد الأطفال والنساء وتفجير المستشفيات والمدارس حتى ان النازحين في الخيم ودور العبادة لم يسلموا من الهجمات الهوجاء للمحتل الصهيوني.
رغم كل هذا الدمار ورغم تجاوز إسرائيل كل القوانين والأعراف الدولية في مشاهد وصور واقعية بثتها وسائل الإعلام لكل أرجاء العالم، وأظهرت أشلاء أجساد الأطفال والنساء، وتدمير المستشفيات والبنية التحتية وملاجىء الإيواء من مدارس ومخيمات، ونبش القبور، إلا أن أميركا لم تحرك ساكنا للوقوف إلى جانب غزة لإيقاف أنهار دماء الأبرياء الذين سقطوا بلا رحمة من قبل محتل مجرم ارتكب أبشع الجرائم التي تجاوزت معنى الحرب بعد أن أضحت إبادة جماعية نتيجة التدمير المتعمد والمنهجي لأهل القطاع.
أميركا التي جعلت الإشارة خضراء أمام الآلة الإسرائيلية لممارسة جرائمها في القطاع بعد أن استخدم مندوبها لدى مجلس الأمن الدولي حق النقض (الفيتو) مرتين ضد مشروع قرار أممي بوقف الحرب في غزة، تدين نفسها في جريمة حرب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني في القطاع، حيث أن إرسال المساعدات الأميركية دليل قاطع على ارتكاب العدو الصهيوني أفعال كارثية في غزة دون رادع أو ضمير أو أخلاق أو قانون دولي أو إنساني مما جعل القطاع يفتقر إلى أبسط مقومات الحياة.
المشهد الحالي يؤكد أن السياسة الأميركية متناقضة، ففي الوقت الذي تعارض به وقف الحرب الإسرائيلية على غزة وتدعم المحتل عسكرياً وسياسياً، فإنها تبدي الأسى والحزن على مقتل الآلاف من المدنيين الفلسطينين، وتبدي قلقها من الأوضاع الأنسانية المتدهورة في القطاع ما جعلها تشارك في عملية إنزال مساعدات لمدينةٍ بات أهلها على حافة الوقوع في مجاعة وانتشار لأمراض فتاكة نتيجة عدم وجود مياه الشرب الصالحة والغذاء الصحي الكافي حسب تقارير بثتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر .
ندرك ويدرك العالم وبما لا يدعوا للشك أن الموقف الأميركي يتماهى مع الموقف الإسرائيلي، والذي يؤكد دوما على ضرورة إستمرار العمليات العسكرية في غزة، رغم ما توقعه من ضحايا بالآلاف في صفوف العزل من الفلسطينيين، فالولايات المتحدة متهمة بالتواطؤ لإطالة أمد هذه الحرب الوحشية التي ترتكبها إسرائيل، وموقفها في مجلس الأمن الدولي هو حكم بالإعدام على عشرات الآلاف من المدنيين في فلسطين، إلى جانب موظفي الأمم المتحدة والعاملين في اللجان الدولية والطبية الذين يحاولون مساعدة أهل غزة في مختلف القطاعات.
الوضع في غزة قد يصبح أسوأ لكن يمكن للإدارة الأميركية أن تساعد في منع ذلك، فالأجدر وبعد أعتراف أميركا بسوء الأحوال في القطاع ومشاركتها في أرسال المساعدات، أن تضع حداً لما يجري من جرائم لا يقبلها العقل البشري من خلال عدم الاستمرار بتزويد المحتل بالأسلحة والمساعدات المالية والغطاء الدبلوماسي ومنحه رخصة جديدة لمواصلة القتل والدمار والتهجير باستخدام حق النقض "الفيتو"، والتوجه فوراً مع الدول العظمى التي تقف لجانب إسرائيل إلى خيار إجبار العدو الصهيوني على توقيف حربه على غزة بشكل فوري، وإيصال المساعدات الإنسانية للقطاع والمحافظة على استدامتها، ومنع التهجير وفق رؤية جلالة الملك عبدالله الثاني التي ترتكز على أن مستقبل المنطقة واستقرارها وأمن شعوبها مرتبط بحل الدولتين الذي يقود إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلّة على تراب وطنها وعاصمتها القدس الشرقية.